كيف نخبر بناتنا عن التحرش بدون ترويعهن من العالم؟

كيف نخبر بناتنا عن التحرش بدون ترويعهن من العالم؟

2024-11-10

بقلم : علياء طلعت

ما إن علمت أن تمرين ابنتي الرياضي بعد المدرسة لن يحضره سواها وزميل لها والمدرب فقط حتى أعطيتها بضعة تحذيرات، لأجدها تصرخ فيَّ قائلة: "ماما، العالم مش وحش زي ما انتي فاكرة، انتي بتقلقيني وتخوفيني من حاجات ممكن ما تحصلش".

 

صدمتني الجملة من ذات العشر سنوات، التي أصبح لها الآن رأي ورؤية في العالم، هل بالفعل أعطي ابنتي رسائل خفية حول قسوة العالم؟ هل تتجمد الصغيرة رعبًا بسبب تحذيراتي ونصائحي؟ وماذا لو عرفت هي عن قسوة العالم بالطريقة الصعبة؟ بالتجربة المباشرة مثلما حدث لي وعشرات النساء غيري، أليس من واجبي حمايتها؟

 

لا يمكن أن أبدأ الحديث عن التحرش، إلا وتنفتح في عقلي هوة من الذكريات المتشابكة، بعضها خاص بي، وأخرى بصديقات وقريبات حكين لي عن تجاربهن التي غيرت نظرتهن لأشياء كثيرة، منها حتى الروابط العائلية.

 

تشير إحدى الإحصائيات إلى أن 85% من ضحايا التحرش في مصر من الأطفال، وحتى لو لم أعرف عن هذه الإحصائية، أنا وغيري من الأمهات، فإحساسنا وتجاربنا السلبية تقلقنا على فتياتنا الصغيرات، خصوصًا مع وجودهن خارج المنزل لساعات طويلة، سواء في المدرسة أو التمارين الرياضية.

 

على الجانب الآخر، قد يصبح هذا القلق من التحرش في حد ذاته مؤذيًا، ويمنع الفتيات من التعامل بحرية وثقة في محيطهن، وطبقًا لدراسة -أجريت عام 2021 في السويد- فهو كذلك يؤثر على تقدمهن الدراسي والعملي.

 

لذلك علينا هنا إيجاد إجابة مناسبة عن سؤال: كيف لا نكبل بناتنا بصورة سوداوية تجعلهن يرين الجميع وحوشًا، وفي ذات الوقت نحميهن من خطر التحرش؟

 

بالتأكيد يجب أن تمتلك كل فتاة الوعي بما يحدث في العالم من حولها، فالعالم ليس مكانًا موحشًا ولكنه أيضًا ليس واحة آمنة، ونقل القلق المفرط لبناتنا قد يجعلهن خائفات لدرجة تمنعهن من الاستمتاع بحياتهن، وتحقيق النجاح الذي نأمل فيه كأولياء أمور لهن.

 

توعية منذ الطفولة المبكرة


 

تعيش الفتيات، حتى سن المدرسة، في بيئات محمية إلى حد كبير، بعدها ينطلقن إلى العالم الجديد، الأمر الذي يستدعي درجة من التوعية ضد المخاطر التي قد يتعرضن لها خارج المنزل، ولكن مع قرب البلوغ تأخذ التوعية منحى أكثر صراحة، من أجل تحديد الطبيعة الجنسية لممارسات التحرش التي قد تواجهها الفتيات.

 

التحرش

 

ترددت منار حازم في اختيار الوقت المناسب لتحذير ابنتها، الموشكة على الدخول للمدرسة، من الأخطار التي قد تواجهها خارج المنزل، شعرت أن عليها اختيار لحظة مثالية لتستمع إليها الصغيرة بتركيز، ولكن أيضًا لا تجعلها خائفة من المدرسة أو زملائها ومعلميها ومعلماتها، فتصبح تجربة الانفصال والخروج من المنزل أكثر صعوبة.

 

علمت منار أن لديها خبرات يجب نقلها للطفلة، ولكن الأمر ليس مجرد شرح مسألة رياضية صعبة، أو تعليمها حرفًا أبجديًا جديدًا، أو كيفية عقد رباط حذائها، ستغير هذه الكلمات جزءًا من ذهن الصغيرة، وستضفي على عالمها الآمن بعض الشكوك، فكيف تقول ما ترغب فيه دون إخافتها إلى الأبد؟

 

قالت منار: "أخذت ابنتي في حضني، وبدأت أتحدث معها حول جسمها وخصوصيته، كنت حذرة للغاية، وخشيت أن أقول أكثر من اللازم أو أقل، وحتى الآن لا أعلم هل ما قلته كافٍ أم لا".

 

لو قسمنا المرحلة العمرية التي نحاول تغطيتها هنا وهي من سن الثالثة تقريبًا وحتى البلوغ، إلى قسمين، نجد أن ابنة منار حازم ذات الستة أعوام تنتمي إلى القسم الأول، أي "الطفولة المبكرة"، والتي تمتد حتى الثامنة من العمر تبعًا لليونيسيف، وهي المرحلة التي تكون فيها الفتيات لا زلن بالفعل طفلات، وفي مرحلة بناء وعيهن الأولي تجاه العالم.

 

المرحلة التالية تمتد إلى ما قبل البلوغ، وفيها تبدأ التغيرات الجسدية لدى الفتيات، الأمر الذي يثير قلق أولياء الأمور، لأن هذه التغيرات تحيل الأذهان إلى أنهن معرضات للخطر بنسبة أكبر الآن.

 

التوعية ضد التحرش ليست مهمة الأمهات فقط، بل الآباء كذلك، وبسؤال محمد فاروق، وهو أب لابنة في ذات المرحلة العمرية، حول طريقة تعامله مع هذه المهمة، أعرب عن قلقه كذلك من الحد الفاصل بين التحذير والإخافة، فهو دومًا يجد نفسه ملجمًا نتيجة لرغبته في عدم نقل قلقه لطفلته، فيقول عن ذلك:

 

"أخبرها فقط بتحذيرات عامة حول المساحة الشخصية، ولكن لا أتطرق إلى نقطة التحرش، وأشعر طوال الوقت أن تحذيراتي العامة غير كافية، ولكن لا أعلم ماذا أفعل غير ذلك!".

 

لمياء لطفي لديها ابنتان وولد، ثلاثتهم في فترة ما قبل البلوغ وبدايات المراهقة، ولديها وجهة نظر أكثر صرامة: "أُفَضِّل أن أجعل بنتيَّ خائفتين من العالم، على أن يُصدما بنفسيهما". لذلك اختارت أن تكون صريحة في توعيتها، ولكن هذه الطريقة لم تأت بنتائج إيجابية معهما على وجه التساوي، فبينما تقبلت إحدى الفتاتين تحذيراتها عن طيب خاطر، غضبت أخرى، وأخذت تسأل "لماذا؟" على كل اقتراح قدمته لمياء، الأمر الذي أقلق الأخيرة من إنها لن تتعلم سوى بالتجربة، وليس لديها وسيلة الآن سوى تمني أن يصبح العالم رحيمًا بها.

 

المراهقة

 

رأي الخبراء


 

يحاول الآباء والأمهات حماية الصغار من كل أنواع الأخطار من سن صغيرة للغاية، مثل الابتعاد عن الموقد الساخن، أو مخارج الكهرباء، أو كيف يتفحصون الاتجاهين قبل عبور الشارع في سن أكبر، ولكن في أغلب الأحيان لا تجري التوعية ضد التحرش إلا بعد سن أكبر بكثير، أو بعد فوات الأوان، إذ يعتقدون أن الأطفال صغار جدًا أو أن هذه التحذيرات مخيفة للغاية، ولكن هذا الحديث ليس سابقًا لأوانه أبدًا، وليس من الضروري أن تكون المحادثة مخيفة.

 

يمكن أن نقسم النصائح التي يمكن أن نزود بها أطفالنا وفقًا للقسمة العمرية التي ذكرناها سابقًا، أي نصائح خلال الطفولة المبكرة، وأخرى خلال فترة ما قبل البلوغ.

 

في مرحلة الطفولة المبكرة (من الولادة إلى عمر 8 سنوات):

 

  • يبدأ الحديث عن التحرش بعدم ذكره بشكل مباشر، وذلك بتعريف الأطفال أسماء الأعضاء الجنسية ووظائفها، ما يقتل الخوف من ذكر هذه الأماكن.
  •  ننتقل إلى توضيح خصوصية بعض الأجزاء من الجسم، وأهمية احترام الحدود الجسدية بيننا وبين الآخرين، بمعنى ألا يسمحوا للآخرين بلمسهم، وكذلك ألا يلمسوا الآخرين في أماكنهم الخاصة حتى لو طلبوا منهم ذلك، وهي النقطة التي قد يسقطها الأهل، متجاهلين أن المتحرش قد لا يلمس الطفل/ة في البداية، بل يطلب من الطفل/ة لمسه هو، لذلك من الضروري تعليم الطفل/ة ألا يوافق على هذا التلامس أيًا كان السياق.
  • كسر حاجز السرية حول هذه الأعضاء أيضًا ضروري، فكثير من المتحرشين يطلبون من الأطفال التزام السرية حول ما يمارسونه معهم، ويشعلون شعورهم بالذنب من الحديث عنه مع الوالدين، بينما لو كانت هناك مساحة ثقة في المنزل لانعدمت قدرة المتحرش على حماية نفسه بهذا الأسلوب.
  • أحد التدريبات التي قد تساعد على التوعية في هذه المرحلة العمرية يعتمد على صناعة دميتين بدون أي ملامح، ثم نجعل الأطفال يضعون لهما كل تفاصيل الوجه والملامح، ونخبرهم أن هذه الدمية ستكون صديقة لهم، وتعيش معهم، وبالتالي يطرز الأطفال ملابسها، تبعًا للطقس أو المكان، ونتفق على أن هناك أماكن في الجسم يجب تغطيتها، إلا في حالة كشف الطبيب/ة وفي وجود الأب والأم، ثم نتحدث عن الأماكن الخاصة في الجسم، واللمسات الطيبة واللمسات الشريرة، مع توضيح حدود الأماكن المقبولة وغير المقبولة. وهذا هو التدريب الذي تشرف عليه "جيرمين إلياس"، مسؤولة سياسات حماية بهيئة إنقاذ الطفولة، إذ تتبنى هذا التدريب وتدريبات أخرى مشابهة للتوعية ضد التحرش بالأطفال. ويمكن اللجوء إلى تدريبات أخرى متخصصة في المنزل، بالاستعانة بفيديوهات اليوتيوب والكتب المخصصة عن الموضوع.
  • أمر آخر يخشى أولياء الأمور التحدث فيه يتمثل في أن بعض لمسات المتحرشين قد لا تكون مزعجة للطفل، ولذلك فكرة اللمسة الطيبة والشريرة هنا لا تصلح وحدها، إذ يجب التركيز أيضًا على "اللمسة السرية" التي يطلب صاحبها عدم الحديث عنها علانية. وهذه القواعد لا تنطبق فقط على البالغين بل حتى الأطفال في كل المراحل العمرية سواء أصغر وأكبر، والأشخاص المقربين من العائلة وغيرهم.

 

التربية باستخدام الدمية

 

في مرحلة ما قبل البلوغ (من 8 سنوات إلى البلوغ/ الطمث):

 

  •  في هذه المرحلة يجب تعريف التحرش الجنسي بوضوح، الأمر الذي قد نظن أنه واضح، ولكنه ليس كذلك في ذهن المراهقة الصغيرة، فعلى سبيل المثال يجب تحديد أن التحرش الجنسي يشمل العديد من الأفعال كالتحرش اللفظي، مثل التعليقات الجنسية أو النكات أو إطلاق الشائعات الجنسية، أيضًا يعتبر ضمن التحرش الجنسي، "التحرش عبر الإنترنت"، مثل التعليقات الجنسية في رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، كذلك تهديدات السلامة الشخصية أو السمعة تعتبر ضمن نطاق التحرش الجنسي.
  • من المهم في هذه المرحلة التأكيد على نفس المعلومات والأساليب المستخدمة في مرحلة الطفولة المبكرة، ولكن الإضافة عليها بفتح نقاش مستمر حول طبيعة التحرش الجنسي وطريقة التعامل معه في المجتمع، مثل طرح الأسئلة حول طريقة تعامل وسائل التواصل هذه الأيام مع حوادث التحرش، والتأكد من فهم الفتاة للوسائل السليمة لهذا التعامل، بدون إشعارها إنها في امتحان مستمر، بل هو حوار ومناقشة للاطمئنان على أن هذه المفاهيم مترسخة في ذهنها بما فيه الكفاية وبشكل صحيح.
  • وواحدة من الأشياء التي لا تخطر في بال الكثير من أولياء الأمور أن الحديث عن التحرش لا ينبغي أن يكون لمرة واحدة وينتهي، بل يجب تناول الموضوع باستمرار. على سبيل المثال تنصح الأم ابنتها بشكل يومي ألا تنسى ارتداء ملابس ثقيلة أو تناول طعامها في المدرسة، وعليها كذلك أن تكرر التحذير من التعامل مع الغرباء، أو استقلال سيارة شخص لا تعرفه. بهذه الطريقة يمكن قتل الخوف من التحرش بالتدريج، إذ يتحول إلى أمر سيئ قد يحدث، ويجب الحذر منه، ولكنه ليس وحشًا مرعبًا ينتظرنا خارج المنزل.

 

لا يُفتَرَض أن تتحول التوعية ضد التحرش إلى ممارسة تثير ذعر الفتيات، وتُحَوِّل كل شخص إلى مغتصب أو متحرش محتمل، بل الهدف منها تعليمهن سلوكيات تجعلهن أقوى، وتمدهن بأسلحة للمقاومة نتمنى ألا يضطررن لاستخدامها في يوم من الأيام.

مقالات شبيهة

مخاطر وفرص.. صورة الجنس في ألعاب الفيديو
مخاطر وفرص.. صورة الجنس في ألعاب الفيديو
المزيد ...
الجانب المظلم من المراهقة.. كيف نحمي أبناءنا وبناتنا من التنمر؟
الجانب المظلم من المراهقة.. كيف نحمي أبناءنا وبناتنا من التنمر؟
المزيد ...
الظواهر الجنسية الأساسية لدى الأطفال
الظواهر الجنسية الأساسية لدى الأطفال
المزيد ...