مثليون في بيئة العمل.. إذا اعترضنا سنخسر كل شيء

مثليون في بيئة العمل.. إذا اعترضنا سنخسر كل شيء

2024-11-10

بقلم : رنا ناصر

"أكثر شيء تعرضت له هو العنصرية غير الموجهة"، ربما هذه الجملة التي أتت على لسان إحدى صديقاتي هي أكثر ما يتعرض إليه المثليون في مصر من جميع من حولهم وفي كل مكان، في العمل، وفي المواصلات، وبين أصدقائهم، وربما بين أفراد أسرتهم.

 

عندما كنت في سن صغيرة، كنت أشعر بالقلق من أن أتعرض لموقف أضطر فيه للتعامل مع شخص مثلي الجنس. ومنذ عدة سنوات، كنت زميلة عمل لشاب أشك في كونه مثلي الجنس، لكني لم أعر الأمر اهتمامًا كبيرًا، بمعنى أني مثلًا لم أكن أنتظر أن أعرف إذا كان مثلي الجنس أم لا حتى أغير من معاملتي معه، ولكن ظل الفضول يتملكني لأعرف إذا كان تخميني في محله أم لا.

 

وقبل هذا الحدث بسنتين علمتُ أن شخصًا أعرفه معرفة سطحية، وتعاملاتنا قليلة للغاية، مثلي الجنس، ولكني كنتُ أكنُ له الكثير من المحبة، وهنا بالفعل حصلتُ على الصدمة الأولى، ولكني وجدتُ أن محبة هذا الشخص في قلبي لم تتأثر.

 

كانت العلاقتان بمثابة اختبار حقيقي لمقدار تفهمي لهذا الأمر، وفي الحالتين لم يتغير شيء معي، ولكن قد لا يتصرف المجتمع كله بهذه الطريقة.

 

كراهية غير موجهة

 

 

كانت إحدى صديقاتي، التي جاءت على لسانها الجملة الافتتاحية للمقال، تخشى أن تُصرِّح لي بحقيقة كونها مثلية الجنس، لأنها كانت ترى أنني منذ عدة سنوات كنت أتبنى آراء قد تجعلني آخذ موقفًا منها: "لم أشعر أنكِ الشخص الذي أستطيع إخباره بحقيقة ميولي بأريحية، فتجنبت الأمر حتى لا تشعرين بالضغط في التعامل معي عندما تعرفين، كما أني لم أحب أن أسمع منكِ كلمات قد تؤذيني في حالة عدم تقبلك للحقيقة"، هكذا قالت سلوى، (اسم مستعار) 30 سنة.

 

أخذت صديقتي قرارًا بعدم إخباري بحقيقة ميولها إلى أن علمت بأني أعمل على تقرير يخص المثليين في بيئة العمل، فقررت الوثوق بي ومصارحتي بالأمر.

 

من المعروف أنه من الصعب في مصر التعامل مع الأشخاص ذوي الميول المختلفة بطريقة طبيعية، إذ يتعرض هؤلاء الأشخاص للكثير من التنمر والعنف اللفظي وأحيانًا الجسدي، وبالطبع قد يؤثر الكشف عن هويتهم الجنسية سلبًا في بيئة العمل، وعن هذا قالت سلوى:

 

المثلية

 

"أكثر شيء تعرضت له هو العنصرية غير الموجهة سواء كانوا يعرفون حقيقتي أم لا، بالإضافة إلى إطلاق الأحكام المُحَقّرة طوال الوقت، إذ اعتاد مدير العمل على إصدار تعبيرات تدل على كراهيته الشديدة لمجتمع الميم دون أن يضايقه أحد منهم، مثلًا يأتي عميل إلى الشركة ويشك في كونه مثليًا، وبمجرد رحيله تبدأ السخرية من هذا الشخص. بالطبع لا يستطيع التعامل مع هؤلاء العملاء بشكل سيء في حضورهم، حتى لا يخسرهم".

 

كان هذا من أكثر الأشياء المؤذية والمخيفة لسلوى في بيئة العمل، إذ كانت تسمع خطاب الكراهية الشديد تجاه المثليين، باستثناء أنه لم يكن موجهًا إليها شخصيًا.

 

"لم أكن أستطيع أن أدافع عنهم حتى لا ينتبه أحد ويسألني عن سبب دفاعي؟ وفي أماكن أخرى كان يحدث هذا بشكل أقل فجاجة في صورة سخرية أو تقليل من الأشخاص المعروف عنهم ميولهم المثلية".

 

بالنسبة لسلوى قد يكون الموضوع أخطر مع الرجال حين يشك الناس في أمرهم، "أما النساء فقد يكتفي البعض بنعتهن بالمسترجلات".

 

لكن سلوى حدثتنا عن أن مصر لا تخلو من بيئات عمل مختلفة، إذ كانت مديرة في أحد الأماكن وكان التواصل بينها وبين أصحاب العمل يجري بشكل مباشر، وكانوا متقبلين جدًا لحقيقة ميولها، فتقول: "أعتقد أن آراء الناس وتقبلهم للأمر يختلف على حسب الخلفيات الاجتماعية والثقافية والتعليمية التي ينتمون إليها، ففي هذا المكان كان رؤساء عملي متقبلين جدًا للأمر، يعرفون صديقتي ويسألوني عنها ويتعاملون معي بطريقة طبيعية جدًا، بينما لم أخبر زملائي في العمل بشيء عن ميولي. كنت أنا رئيستهم في العمل؛ وهم لم يكونوا متقبلين للفكرة من الأساس، وكان يتضح ذلك عندما يُثار الموضوع إعلاميًا أو يتحدثون عن شخص يتشككون من ميوله، لذا لم أخبرهم أبدًا".

 

تغير الأمر مع سلوى عندما سافرت للدراسة في الخارج وتعاملت مع بيئة متقبلة أكثر للمثلية، فوجدت بين أساتذتها من هو مثلي الجنس، وعندما يتطرق الحديث إلى الحياة الشخصية يسألون عن الشخص المرتبطة به سلوى دون تحديد جنسه فيقال: "أخبرينا عن نصفك الثاني".

 

مما قد يتعرض له المثليون جنسيًا في بيئة العمل أن يحاول شخص مغاير الجنس إبداء إعجابه بالشخص المثلي، لكن الشخص المثلي "غير مهتم" كما قالت سلوى. هنا يشكل الأمر أزمة وضغطًا، فكيف لها أن تخبره أنها غير مهتمة به أو بغيره دون أن ينفضح أمرها، ويؤثر عليها في عملها.

 

صديقتان

 

مضايقات بسبب الدعم

 

"كنت أعمل في قسم خدمة العملاء في إحدى الشركات، كانت بيئة عملي منفتحة، وفي أول يوم قال لي مدير الموارد البشرية HR أنهم لا يتحدثون عن مثل هذه الأمور الخاصة في الشركة، لكن لم يكن جميع زملاء العمل يتعاملون بالقدر نفسه من التقبل". قالت حنان (اسم مستعار)، فتاة مثلية الجنس.

 

ليس الإعلان عن الميول فقط هو ما يجلب المتاعب لصاحبه، وإنما أيضًا مجرد الإشارة إلى ذلك من قريب أو من بعيد، أو معرفة أن الإنسان يدعم أشخاص ذوي ميول مختلفة. قد يؤذي الإنسان نفسه لمجرد تقديمه الدعم لغيره.

 

تحكي حنان عن تجربة عملها السابق وتقول إن الأمر كان يسير على ما يرام مع بعض الزملاء حتى تعرفت في عملها على شخص ترانس (عابر جنسيًا)، وبناءً عليه بدأ زملاؤها في العمل تجنب التعامل معها. وفي إحدى المرات تمت مضايقة هذا الشخص، فقررت حنان وصديقها تقديم الشكوى إلى مدير الموارد البشرية، لكن الشكوى لم تؤخذ بجدية، ولم يُبَت فيها. ثم حدث موقف مشابه مع شخص آخر، واستمرت هذه المضايقات الكلامية والفعلية لأفراد مجتمع الميم والداعمين له داخل مكان العمل، حتى أٌقصيت حنان من أكثر من مجموعة في عملها لمجرد دعمها لمجتمع الميم.

 

تقول حنان: "كنت على وشك الحصول على الترقية في عملي لكن الموضوع لم يكتمل، وعرفتُ بعدها أن أرقامي التي حققتها لأحصل على الترقية تغيرت إلى أرقام أقل، لأنهم يتخذون موقفًا مني لكوني مثلية، رغم أني لم أخبرهم بذلك بشكل صريح".

 

وعن عمل حنان الحالي تقول: "في عملي الحالي لم أخبر أحدًا أني مثلية الجنس، ومؤخرًا أصبحت أشعر أني أخفي جزءًا كبيرًا من شخصيتي وأني أكذب، وفي الوقت نفسه لن أستطيع أن أكون صريحة بخصوص حقيقتي، حتى زميلتي في الفريق التي شعرت أنها ستتقبل الأمر، لم أتمكن من إخبارها إلا بعد وقت طويل. ومع مرور الوقت ترقت زميلتي وأصبحت مديرتي، ومنذ ذاك الوقت بات التعامل بيننا غريبًا، ولم نعد صديقتين خارج العمل كما كنا من قبل".

 

وتنهي حنان حديثها قائلة: "في وقت مباراة ألمانيا واليابان عندما منعت قطر لاعبي المنتخب الألماني من ارتداء الشارة الخاصة بالمثليين، فتح هذا الحدث النقاش حول المثليين في عملي، وكنت أستمع إلى كلمات قاسية جدًا أثناء حديثهم سويًا، فتخيلت لو أنه انكشف أمري وعرفوا أني مثلية الجنس كيف سيكون الأمر بشعًا وقد يتسبب في فقداني لعملي، وعلى الرغم من أن بيئة العمل الآن منفتحة نوعًا لا أظن أن أحدًا منهم سيتقبلني".

 

خطر الاختلاف

القانون غامض!

 

أصبحت الممارسات الجنسية المثلية قانونية في 124 دولة، أي 64٪ من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما يوجد لدى 81 دولة قوانين توفر الحماية ضد التمييز في مكان العمل على أساس التوجه الجنسي. وعلى الرغم من ذلك يواجه أفراد مجتمع الميم الكراهية في بيئة العمل، حيث أنه ما زالت هناك 70 دولة تُجرم العلاقات المثلية، و11 دولة من الـ 70 يُعاقَب فيها المثليون بالإعدام. وفي أكثر من نصف الكرة الأرضية، لا يحمي قانون العمل مجتمع الميم، فحوالي 21% من أفراد مجتمع الميم في دول الاتحاد الأوروبي واجهوا تمييزًا في العمل وفق إحصائيات سنة 2019.

 

التمييز قائم بشكل أكثر وضوحًا في مجتمعاتنا، رغم عدم وجود قوانين مباشرة تُجرِّم المثلية.

 

في عام 2017، وفي حفل لفريق "مشروع ليلي"، رَفَع بعض الحاضرين علم قوس قزح، دعمًا لمؤسس الفريق حامد سنو، الذي أعلن عن هويته الجنسية في أحد البرامج الفضائية، فقبضت الشرطة على عدة أشخاص من الجمهور، من بينهم سارة حجازي، ووُجهت إليهم تهمة الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام القانون والدستور هدفها الإضرار بالسلم الاجتماعي والترويج لأفكار هذه الجماعة من خلال طرق العلانية، والتحريض على الفسق والفجور في المجتمع. لذا يخشى الجميع التعبير عن ميولهم الجنسية في بيئة العمل أو غير بيئة العمل.

 

"لا يوجد نص واضح في القانون يُجرِّم المثلية أو يُعاقب عليها"، هكذا يقول المحامي محمد هشام، ولكن هذا لا يمنع من وجود ملاحقة شرطية للمثليين.

 

يضيف هشام: "محكمة النقض المصرية استقرت على إضفاء صفة الفسق والفجور على العلاقة المثلية، مثلها مثل الدعارة، ومدة العقوبة تتفاوت على حسب ظروف كل قضية وملابساتها. توجد دعوات لإصدار قانون واضح ضد المثلية، ولكن هذا لم يتحقق حتى الآن".

 

من المتوقع أن يجد المشرعون المصريون أنفسهم في مأزق إذا فكروا في الوقت الحالي في إصدار قانون مناهض للمثلية، لأن ذلك سيحدث في فترة يتزايد فيه الاعتراف العالمي بحقوق مجتمع الميم.

 

للموارد البشرية رأي

 

"في كل بيئات العمل التي كنت جزءًا منها، لم تؤثر الميول والتوجهات الجنسية في السلم الوظيفي، فإذا كان الشخص لديه مهارات تؤهله للحصول على الوظيفة، واجتاز المقابلة الشخصية بنجاح، سوف يحظى بالوظيفة بالفعل، وفي رأيي الشخصي بيئة العمل بيئة إنتاجية تعتمد على أداء الأشخاص وليس ميولهم".

 

الموارد البشرية

 

هكذا يقول حسام (اسم مستعار)، المدير التنفيذي في إحدى شركات التدريب والتوظيف، حين سألناه إن كان يوجد تمييز في التعامل مع أصحاب الميول الجنسية المختلفة.

 

يمكن أن نرصد الوضع المجتمعي والقانوني للتعامل مع المثلية الجنسية في مجتمعنا بشكل عام، ولكن دائمًا ما يقدم لنا الواقع صورًا مختلفة عن كل حالة على حدة، لذلك اهتممنا بمعرفة آراء أصحاب الأعمال ومسؤولي التوظيف عن تعامل الشركات مع المثليين في بيئة العمل، وهل يوجد تمييز في تعيينهم أو ترقيتهم أم لا.

 

تقول إيناس سعيد، 25 سنة، أخصائية شؤون عاملين في إحدى الجامعات: "إذا تقدم لشغل الوظيفة أكثر من شخص، لماذا نترك الجميع ونختار مثلي الجنس، خاصة أن وجوده قد يسبب عدم الارتياح للموظفين الآخرين، فمن المتعارف عليه أن المثلية الجنسية غير مقبولة في ثقافتنا أو ديننا"، وتوضح: "حتى الآن لم يقابلني في عملي شخص مثلي الجنس من قبل، لكن بالنسبة للمقابلات الشخصية في العمل سيختلف الأمر من مكان لمكان حسب الثقافة وبيئة العمل، فضلًا عن مدى احتياج الوظيفة لهذا الشخص".

 

أما أحمد حسن (اسم مستعار)، 39 سنة، صاحب مكتب هندسي، فأعرب عن موقفه تجاه المثليين قائلًا: "إذا أوضح أحد الأشخاص ميوله أثناء المقابلة الشخصية لن أعيِّنه تجنبًا للمشكلات التي قد تحدث جراء وجوده في بيئة العمل. أنا كإنسان ليس لديَّ مشكلة مع تقبل الأشخاص المثليين، لكن ربما يكون هناك أشخاص داخل بيئة العمل لا يتقبلون الأمر، وقد يؤثر إعلان الشخص عن ميوله بشكل صريح على سير العمل بينه وبين زملائه، لذا كصاحب عمل أُفَضِّل تجنب الأمر من البداية. لكن إذا لم يوضح الشخص المثلي ذلك فليس هناك مشكلة من وجوده، ولن يؤثر ذلك على ترقياته أو التعامل معه، طالما أنه يحترم النظام العام لبيئة العمل، ولا يُظهر ميوله أو يُلمح بها".

 

ما قاله أحمد، وما أشارت إليه إيناس من قبله، يعبِّر عن رأي شريحة كبيرة من أصحاب الأعمال وموظفي الموارد البشرية، أي وجود صعوبة كبيرة في تقبل المثلية الجنسية في مكان العمل، حتى لو اعتبر البعض المسألة حرية شخصية لصاحبها أو صاحبتها.

 

هكذا لا يقبل جل المجتمع أن يعلن المثليون حقيقة ميولهم على الملأ، وينقسم بين معارضين بشدة للمثلية، وقد يصل الأمر إلى حد الأذى اللفظي أو الجسدي، وآخرين داعمين سرًا، وفريق ثالث يختار الصمت والوقوف مشاهدًا من بعيد.

مقالات شبيهة