الأمراض المنقولة جنسيًا في الأردن.. إنجازات مقبولة وتحديات عديدة

2024-11-10

بقلم : لينا نصر الدين

بالرغم من مرور 18 سنة، ما زال سامر يذكر لحظات تلقيه نتيجة فحصه الإيجابي لمتلازمة نقص المناعة المكتسب HIV، التي نزلت عليه كالصاعقة: "عزلت حالي في البيت، وفكرت حالي رح أموت كمان كم يوم". الآن يعيش سامر حياة طبيعية ومتزوج وجميع أولاده غير مصابين.

 

يذكر سامر أهمية دعم العائلة والأصدقاء من حوله، فالدعم المعنوي، خصوصًا في بداية المرض، مهم جدًا، فهم من أقنعوه بالتوجه لإجراء الفحوص طوعيًا في مركز المشورة الحكومي الأردني وتلقي العلاج بعدها. كنت قد سألته عن تعامل الكادر الطبي، وأجابني أن تجربته كانت بشكل عام إيجابية. أما عن تجربته في تلقي العلاج للأمراض المختلفة غير المنقولة جنسيًا، كخلع الأسنان مثلًا، فكانت أصعب. فبحسب القانون الأردني: على المريض المصاب بمرض معدٍ أن يصرح عن مرضه، فإخفائه جريمة، وللطبيب الحق برفض العلاج لأسباب مهنية أو شخصية إلا إذا كانت حالة طارئة، و قد قوبل بالرفض للعلاج مرات عديدة، بالإضافة إلى سماع بعض العبارات المؤذية. بالرغم من أن احتمالية نقل مرضه للكادر الطبي تقل عن 1%.

 

ينشط سامر اليوم في مجال التوعية بالأمراض المنقولة جنسيًا  في الأردن على أمل مساعدة المرضى الآخرين في رحلة علاجهم، واستجابة للحاجة الملحة للتثقيف والتوعية. لمساعدة سامر والناشطين الآخرين في هذه المهمة، سأسلط الضوء حول الوضع العام لهذه الأمراض في الأردن، البلد الذي أسكن، لكن العديد من المعلومات الواردة هنا يمكن تعميمها عربيًا.

 

أولى التحديات التي واجهتني هي الوصول للمعلومات الصحية الدقيقة، فلا يخفى على أحد فقر المحتوى العربي الرقمي بالإضافة لضعف الثقافة الجنسية في المناهج، مما جعل مهمة التثقيف والبحث شاقة؛ وهذا ما تؤكده الأرقام: بحسب مسح السكان والصحة الأسرية في الأردن عام 2017 لم يسمع أكثر من 34% بالمشاركين/ات بالأمراض المنقولة جنسیًا عدا متلازمة نقص المناعة المكتسب.

 

أضف الى ذلك الوصمة الاجتماعية حولها، ما زلت أذكر ابتعاد إحدى المشاركات في تدريب حضرته عن مشارك آخر لإصابته بالإيدز (وهي المرحلة الأكثر تقدمًا من الإصابة بمتلازمة نقص المناعة المكتسب)، ذات المسح أكد أن لدى 90% من المشاركين/ات اتجاهات تمييزية ضد الأشخاص المصابين بالإيدز. أما الطامة الكبرى عندما تُلقي هذه الوصمات بظلالها على القانون، مثلا قوبل مقترح وزارة الصحة عام 2007 بالرفض الشعبي عند اقتراح إضافة فحص HIV لفحوص ما قبل الزواج. مجتمعيًا فضلنا ألا نجري الفحوص على أن نعترف بوجود المرض و نواجهه، بالرغم من التقدم الطبي وتوافر العلاجات المختلفة.

 

الأمراض المنقولة جنسيا

 

تختلف تبعات المرض باختلاف الجنسية، مثلًا إذا كنت أردنيًا ستحرم من ممارسة بعض الأعمال، لكن الدولة ستتكفل بمصاريف العلاج لأمراض نقص المناعة المكتسب والكبد الوبائي. أما إذا كنت غير أردني، تلغى إقامتك و يتم ترحيلك، أو تمنع من دخول المملكة: تعلل الحكومة قيامها بهذه الإجراءات المشددة بارتفاع تكلفة العلاج، بالرغم أن الصحة حق من حقوق الإنسان الأساسية التي أكدت عليها عدة مواثيق دولية ولا يجب المساومة عليها للعمل أو السفر.

 

وإذا لم تتأثر بما سبق، وقررت أن تفحص: فلن تجد في الصيدليات عدة فحص شخصية لهذه النوعية من الأمراض، بالرغم من سهولة استخدامها، وفعاليتها، وسعرها المناسب. بل عليك التوجه لمركز المشورة والفحص الطوعي للأمراض المنقولة جنسيًا التابع لوزارة الصحة الذي يقدم أيضًا المشورة الطبية عبر الهاتف، ويوفر الفحوص المجانية بالإضافة لخدمات الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى. هناك أيضًا مركز سواعد التغيير لتنمية المجتمع وبعض المختبرات الخاصة المرخصة، وهم جميعًا ملزمون بإبلاغ الحكومة في حال الإصابة بأمراض مثل الكبد الوبائي ومتلازمة نقص المناعة المكتسب، فالكشف عن المرض ليس خيارًا شخصيًا! قد نصح بعض متصفحي المواقع الالكترونية بالتبرع بالدم للكشف بالمجان عن هذه الأمراض، وهذه فكرة مبدعة بلا شك!

 

وعدد الفحوص مقارنة بعدد السكان معيار مهم: فلا يمكن الجزم بمدى خلو المجتمع أو انتشار المرض فيه بدون زيادة عدد الفحوص، وذلك مهم للتخطيط وإقامة التدخلات المناسبة. فعدد حالات الإصابة المسجلة في المملكة قليلة حسب الإحصاءات المعلنة لمركز سواعد التغيير للعام 2023: 120 إصابة بمر ض الزهري، و16 بالسيلان، و19 بمتلازمة نقص المناعة المكتسب HIV، و54 بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري HPV: الذي يعتبر المسؤول الأول عن سرطان عنق الرحم، والذي يمكن تفادي 70% من حالاته السرطانية في حال تناول اللقاح في سن مبكرة حتى عمر 25، لذلك أدخلته 140 دولة في برامجها الوطنية (بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات وفرته في مدارسها لكن قوبل بالرفض خوفًا على الأخلاق العامة، معتقدين أن تناول اللقاح يشجع على النشاط الجنسي خارج  الزواج!)، وبشكل مشابه أدخل مطعوم الكبد الوبائي ب على العديد من هذه البرامج أيضًا.

 

حتى أطمئن نفسي والقارئ قليلًا في النهاية، فنحن قطعنا أشواطًا كبيرة في التدخلات الوقائية مثل توفر اللقاحات والعلاجات المختلفة، وتسهيل الوصول للفحوص وشيوعها، لكننا بحاجة للعمل معًا من أجل محاربة الوصمة الاجتماعية، وإدماج الثقافة الجنسية في المناهج، وأخيرًا وجود كوادر طبية مدربة تساعد في إجراءات الشفاء والدعم. هذه مطالب كبيرة لكنها قابلة للتحقيق إذا تكاتفت كل الجهات المعنية وأصحاب المصلحة، أملًا في القضاء على الأمراض المعدية المنقولة جنسيًا بحلول عام 2030، كما تتعهد منظمة الصحة العالمية في إستراتيجيتها العالمية.

مقالات شبيهة

من حاجز الصمت إلى كسر عضم.. الإيدز في المسلسلات السوريّة
من حاجز الصمت إلى كسر عضم.. الإيدز في المسلسلات السوريّة
المزيد ...