مقالات
رهاب الجنس عند الرجال.. لا نهاية للمخاوف
2024-11-10"لا أمتلك خبرة طويلة أو تجارب متعددة في ممارسة الجنس، وهذا ما يخيفني خاصةً أنني لست معتادًا على التعبير عن مشاعري.
تراودني مخاوف تجاه طول قضيبي ومدة القذف، وأتشكك أحيانًا في قدرتي على اكتشاف ما يمتع الشريكة، لكني أحاول التغلب على ذلك من خلال الانخراط في الممارسة وتجريبها عدة مرات قبل اتخاذ قرار حيالها".
مصطفى*، 31 سنة، مصر
يُعَبِّر مصطفى عن مخاوفه التي تحيط بالممارسة الجنسية، فهو قلق من حجم القضيب ومدة القذف، والأداء الجنسي في العموم. ويرجع قلقه إلى قلة خبرته الجنسية، وهو قلق شائع، إذ يخلط الكثير من الرجال بين تعدد التجارب وبين القدرة على إمتاع الشريك/ة، إذ يُعتَقَد أن من حظي بتجارب جنسية أكبر يكون أكثر قدرة على الإمتاع من الرجل الذي يعتبره المجتمع "خامًا".
هذا الاعتقاد الخاطئ ينتشر في المجتمعات المنفتحة والأكثر تحفظًا على حد سواء، فبينما تفرض المجتمعات المتحفظة قواعد صارمة على جنسانية الأشخاص، ويؤدي غياب التربية الجنسية إلى تأخر معرفتنا بأجسادنا وتكوين صور ذهنية مغلوطة عنها.
تضع المجتمعات الأكثر انفتاحًا الأشخاص في محل دفاع إذا لم يخوضوا/يخضن تجارب جنسية مبكرة. يدفع هذا القلق العديد من الرجال إلى الخوف من الممارسة والذي قد يصل إلى درجة "الرهاب الجنسي".
يُعَرَّف الرهاب الجنسي بأنه شعور بالخوف من ممارسة الجنس أو حتى التفكير فيه، قد يقتصر هذا الشعور على ممارسة بعينها وقد يمتد إلى جميع أشكال التواصل الجنسي، قد يتدرج رد الفعل تجاه هذه المشاعر من سلوكيات تجنبية ويصل إلى ردود أفعال عنيفة وحتى استجابات جسدية غير مريحة.
"ينتابني رد فعل جسدي غير مرغوب به أحيانًا عند ممارسة الجنس وأحيانًا مشاعر سلبية، فلديَّ خيالات جنسية لم أتمكن من مصارحة شريكتي بشأنها مما يدفعني إلى القلق الذي أُعَبِّر عنه بالغضب في بعض الأحيان أو التجنب في أحيان أخرى".
حسين، 36 سنة، المغرب
تفرض الضغوط الاجتماعية صورة متخيلة عن الجنس وعن المشاعر التي يُفتَرَض أن نشعر بها تجاهه، هذا ما أفصح عنه حسين عند سؤاله عن المشاعر التي تنتابه عقب ممارسة الجنس، وكيف يمكن لمشاعر القلق أن تتجسد في غضب أو تجنب. فتصورنا عما يجب أن نشعر به يجعلنا نتجاهل أي شعور سلبي ظنًا منا أن ذلك قد يتسبب في غضب الشريك/ة أو شعورنا بالحرج أمامه/ا.
وهنا يجب أن ندرك أن مشاعر القلق واردة، وأن الصورة الذهنية المرتسمة تجاه الرهاب الجنسي، والتي عادةً ما تكون لشخص لم يختبر الممارسة الجنسية على الإطلاق، غير صحيحة. فحتى الذين يمارسون الجنس بشكل يومي قد يعانون من رهاب الجنس، إذ قد يختبرون مشاعر أو أفكار أو ردود أفعال غير مرغوبة أو غير مريحة عند الانخراط في الممارسة الجنسية أو حتى التفكير فيها.
بالإضافة إلى ذلك هناك الكثير من الرجال الذين يراودهم القلق حيال أنشطة معينة أو تفضيلات جنسية معينة، ربما تُعد في ثقافتهم غير مألوفة أو تحتاج إلى قدر عالٍ من الثقة بالشريك/ة والشعور بالارتياح تجاه أجسادهم أو تجاه المكان كي يطمئنوا لممارستها.
"أُفَضِّل الممارسات السادومازوخية، ربما الخوف من الألم المبرح أو الخوف من الإصابة يمثل عقبة، لكن في رأيي الأمر متعلق بالاطمئنان نحو الشريكة والثقة في تفهمها".
عمرو، 40 سنة، مصر
هكذا يعبر عمرو عن مشاعر الخوف التي انتابته في بداية اكتشافه لتفضيلات جنسية غير شائعة في مجتمعه، يخشى الألم المبرح أو الخوف من الإصابة بسبب عدم امتلاك المجتمع للوعي الكافي تجاه هذه الممارسات وقواعد الأمان المتعلقة بها، لكنه يحاول التعامل مع مخاوفه من خلال الانخراط في الممارسة لمرة واحدة على سبيل التجريب، ويتحدث مع شريكاته عن مشاعره ومخاوفه بصراحة، ويسعى لاكتشاف تفضيلاته والمصارحة بها، كما يسعى لخلق حوار مع الشريكات للتعرف على ما يمتعهن.
في كثير من الأحيان يكون الخوف من رد فعل الشركاء حاجزًا أمام خوض بعض التجارب، وفي أحيان أخرى يكون الخوف من التعرض لأذى حائلًا أمام اكتشاف تفضيلات أخرى، لذلك يضم مصطلح رهاب الجنس بعض المصطلحات الأخرى والأقل شيوعًا:
1. بارافوبيا Para-phobia
تعني الخوف من الانحراف الجنسي، وفي هذه الحالة فالأشخاص قادرون على الاستمتاع بالعلاقات الجنسية التي تتناسب جيدًا مع قانونهم الأخلاقي الشخصي، بينما ينتابهم الخوف من خوض تجارب جديدة أو استكشاف جوانب أخرى من متعتهم الجنسية.
على سبيل المثال يخشى رجال كثيرون المداعبة الشرجية أو تحفيز البروستاتا لأنها مرتبطة في مخيلتهم بالسلوك الجنسي المثلي، إذ يعتقد الكثير من الرجال أن طلبهم أو قبولهم بمداعبة الشريكة لمنطقة الشرج أو صفعها لمؤخرته يجعلها تعتقد أن لديه ميولًا مثلية.
من الأمثلة الأخرى التي توضح تأثرنا بالأدوار الاجتماعية في ممارستنا الجنسية، هو تبادل الأدوار الجنسية، كالممارسات المتعلقة بالسيطرة والخضوع أو فتيشية الأقدام. يحمل الكثير من الرجال موروثًا ثقافيًا يعتبر هذه الممارسات معارضة للدور المرسوم اجتماعيًا للرجل، وبالتالي هناك بعض الرجال يعدونها انحرافًا جنسيًا، على الرغم من كونها تفضيلات طبيعية تمامًا، وآخرون لا يجدون مشكلة في ممارسة تفضيلاتهم، لكن تكمن الصعوبة في الاطمئنان للشريك/ة.
2. تشيرابتوفوبيا chirapto-phobia
يمثل أحد أشكال الرهاب الجنسي ويتضح في صورة خوف من التعرض إلى اللمس، وهذا النوع من الرهاب يمكن أن يؤثر على جميع العلاقات، وليس فقط ذات الطبيعة الرومانسية أو الجنسية. فبعض الرجال يتراجعون حتى عن اللمس العابر لأقاربهم، في حين أن البعض الآخر يشعر بارتياب تجاه اللمس الذي يتسم بالحميمية.
إذا أردنا الربط بين هذه المخاوف وبين طريقة المجتمع في إحباط محاولات الذكور في التعبير عن مشاعرهم، سنجد أن الرجال اعتادوا على أن التعبير بالجسد منفصل تمامًا عن المشاعر، فالجسد مرتبط في معظم الأحيان باستعراض هيمنته الذكورية سواء مع أصدقائه أو مع الشريك/ة. أما مشاعر الحب والامتنان فلم يعتد الذكور على التعبير عنها باستخدام الجسد، وهذا قد يسبب شعورًا مربكًا عند ممارسة الجنس، وعدم قدرة على اكتشاف مناطق حسية يمكن إثارتها بخلاف الأعضاء الجنسية.
3. جيمنوفوبيا Gymnophobia
أحد الأشكال المعروفة لرهاب الجنس هو الخوف من التعري أو من رؤية أشخاص عراة. ويعد هذا أحد الأشكال الأكثر شيوعًا للرهاب، وقد يرتبط هذا بذكرى سيئة كالاعتداء الجنسي أو التعرض لمشاهد جنسية غير مرغوبة، مثل رؤية الأبوين في وضع جنسي أو التعرض لمواد إباحية مرئية في سن صغيرة.
وفي أحيان أخرى يرتبط بصورتنا عن أجسادنا وما يجب عليها أن يكونه أو تفعله، فبخلاف شكل القضيب أو حجمه يشعر الكثير من الرجال بالقلق تجاه حجم الخصيتين أو نسبة العضلات أو توزيع الشعر في الجسد. قد يؤدي هذا القلق إلى فقدان الثقة بالنفس وعدم الاستمتاع بالتجربة الجنسية.
4. تشوه صورة الجسد Body-dysmorphic
هو النوع الأشهر على الإطلاق، وبدأت شهرته تزداد مع وسائل التواصل الاجتماعي، فانفتاح العالم على أشكال مختلفة للجسد جعلنا نرى أن ما نعده عيبًا هو طبيعي تمامًا، وأن الأجساد البشرية غير منضبطة على مقياس واحد باعتباره المعيار الأوحد للجمال.
أدرك الكثيرون أنهم يرون أجسادهم بصورة غير حقيقية، يقضون الكثير من الوقت في النظر إلى أجسادهم ويعتبرون أن الجسد يجب أن يظل على الأغلب بلا عيب، وبعيد عن أي اختلاف.
إذا ألقيت نظرة سريعة على صندوق الوارد لأي مبادرة تعمل في مجال التوعية، ستجد/ين العشرات من الرسائل من رجال غير راضين عن طول قضيبهم، لا تقنعهم الإجابات العلمية التي تؤكد على أن الاختلاف في الشكل والحجم أمر طبيعي، ولا يفلح معهم تفكيك الأسباب الاجتماعية التي جعلت شكل القضيب وحجمه أولوية.
كيف تعرف أنك مصاب برهاب جنسي؟
كل مشاعر الخوف التي عرضناها من تجارب المشاركين، حتى وإن وصلت لأقصى ردود الفعل، لا تعني أن من يعانون منها مصابون برهاب جنسي، أو حتى برهاب ممارسات معينة، لكن تشخيص ذلك يعتمد على عدة عوامل:
1. وجود خوف ملحوظ من ممارسة الجنس أو الخوض في أي نشاط جنسي معين، شرط أن يكون هذا الخوف مفرطًا أو غير متناسب مع حجم الموقف، ويظهر بصورة متكررة، وليست عارضة، وقد يستمر لأكثر من 6 أشهر.
2. يثير الخوف استجابة فورية في معظم الأوقات، وغالبًا ما يؤدي إلى التوقف المفاجئ عن ممارسة النشاط الجنسي المسبب لظهورها، أو التهرب منه، أو من ممارسة أي نشاط جنسي آخر، وقد تشتد حالة الرهاب لتتضمن أعراضًا جسدية مثل الشعور بضيق التنفس أو زيادة معدل ضربات القلب أو زيادة الشعور بالألم أو ضعف الانتصاب أو فقدانه.
3. ألا يكون الخوف نتيجة لمشكلة نفسية أخرى أو عرضًا لمرض عضوي.
ما أسباب الرهاب الجنسي؟
يعتبر الخوف من الجنس لدى الرجال ناتجًا عن الفجوات المعرفية، فإذا تصفحت مواقع البحث حول ما يخشاه الرجال فعلًا ستجد عددًا لانهائيًا من الموضوعات، ما بين طول القضيب وشكل الخصيتين ومدة القذف والتفضيلات الجنسية.
تتكرر كلمة خوف بشكل مثير للانتباه على الإنترنت بينما يعج الواقع بأحاديث الرجال المتفاخرة عن الجنس. تسيطر على الإنترنت حيرة وتساؤلات، بينما تعج المقاهي بثرثرة جنسية تنسج صورًا مزعومة بأن "كل شيء تحت السيطرة"، أو هكذا يجب أن يُقال.
أثناء محاولاتي لكتابة هذا المقال التقيت عشرات من الرجال، منهم من رفض المشاركة ومنهم من شارك بتحفظ، وعلى اختلاف الشهادات إلا أن الرباط الوحيد الذي جمع بينهم هو أن الإجابات التي تلقيتها شديدة الاختصار؛ جُمَل قصيرة وأحيانًا بضع كلمات، هكذا فضَّل الرجال المشاركون التعبير عن مخاوفهم.
لا توجد أسباب محددة أو نهائية يمكن الجزم بأنها تؤدي إلى رهاب الجنس، لكن يمكن رصد بعض العوامل التي تساعد على ظهور هذه المشكلة:
1. التعرض لصدمات
لا يُشترط أن كل من يعانون من الرهاب الجنسي قد تعرضوا لصدمات متعلقة بالجنس، ولكن تزداد احتمالية الإصابة برهاب جنسي بعد التعرض لصدمات متعلقة بالجنس، مثل الاعتداءات الجنسية أو التنمر والتقليل من أدائهم من قبل شركاء/ شريكات سابقين، أو صدمات أخرى مثل الإساءات الجسدية أو النفسية من الوالدين. وبالإضافة إلى ذلك قد يكون رهاب الجنس جزءًا من الأعراض التي يعاني منها المصابون باضطراب ما بعد الكرب.
2. الأعراف الشخصية والثقافية والاجتماعية
الكثير من المجتمعات تَصِم الجنس خارج إطار الزواج، بل وبعضها يحصر الجنس في خانة الإنجاب حتى بين المتزوجين، تشير الأبحاث إلى وجود علاقة إيجابية بين رهاب الجنس والنشأة في مجتمع يتدخل في الخيارات الجنسية للأفراد.
حتى إذا كنت قد ابتعدت عن خلفية مقيدة لحريتك الجنسية ولكنك تخشى تغيير أنماط التفكير السابقة، فما زلت عرضة لخطر الإصابة بالرهاب الجنسي.
3. قلق بشأن الأداء الجنسي
في بعض الأحيان لا نخشى الجنس في الواقع، لكننا قد نقلق بشأن قدرتنا على إرضاء شركائنا. لذلك فإن قلق الأداء الجنسي شائع جدًا، إذ يؤثر على ما يصل إلى 25٪ من الرجال و16٪ من النساء، ويمكن أن يؤثر على الوظيفة البدنية أثناء ممارسة الجنس أو يمنع الرغبة الجنسية.
4. التقدم في العمر
يقترح بعض الباحثين أن كبار السن قد يصابون برهاب الجنس بسبب الصورة الشائعة عن الجنس في هذه الفئة العمرية، أي أن الجنس قد لا يكون مرضيًا، أو لا ينبغي أن يحدث. تشيع هذه الصورة بسبب ربط الجنس بالإنجاب، فإذا انتهت هذه المهمة، انتهى النشاط الجنسي.
وغالبًا ما يشار إلى هذا باسم رهاب الجنس للشيخوخة.
5. مخاوف جسدية
بعض الناس قلقون حيال تبعات الممارسة الجنسية مثل الإصابة بالعدوى أو حدوث حمل، يتساءل آخرون عما إذا كانوا قادرين على الأداء بسبب تحديات جسدية مثل الإعاقات الحركية أو وجود خلل وظيفي جنسي. يمكن أن تساهم هذه المخاوف الجسدية في تطور القلق إلى رهاب الجنس.
كيف يمكن التغلب على مشكلة الرهاب الجنسي؟
مثل العديد من المشكلات النفسية، توجد الكثير من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لحل المشكلة، ومنها:
أنشطة الاسترخاء
مثل التأمل أو جلسات المساج أو الاستماع إلى موسيقى هادئة أو تدريبات التركيز على إثارة الحواس الخمس، من أجل الانغماس في اللحظة الحالية بدلًا من التفكير في مسببات القلق.
العلاج النفسي
يجري مع متخصص/ة، ومن خلاله نفكك الأفكار التي تشكل رؤيتنا عن الجنس، ونتعلم طرق التعامل مع المشاعر والأفكار المزعجة، وتغيير أنماط السلوك غير المرغوبة.
الأدوية
قد تساهم مضادات الاكتئاب في تهدئة المخاوف، مع الأخذ في الاعتبار احتمالية وجود تأثير سلبي لهذه الأدوية على الأداء الجنسي، لذلك ننصح بالتحدث مع الطبيب/ة بشأن الجرعات والآثار الجانبية المحتملة وكيفية التعامل معها.
دعم الشريك/ة
تقل المخاوف حين نحظى بشركاء داعمين نتمكن من التعبير أمامهم عن مشاعرنا ومخاوفنا بصراحة، ويمنحوننا مساحة لإعادة اكتشاف ذواتنا.
أخيرًا، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في مفاهيمنا عن الجنس، فالجنس لا يفترض أن يكون استعراضًا للقوة والفحولة، بل عملية تشاركية بين طرفين بغض النظر عن الممارسات التي يفضلانها أو ديناميكيات العلاقة بينهما، والأداء الجنسي الجيد ليس موهبة نولد بها، وإنما مهارة يمكننا تطويرها مع الوقت، فلا يولد أيًا منا خبيرًا/ة في الممارسة الجنسية، بل نُطَوِّر معارفنا بالتواصل مع شركائنا ومع أنفسنا.
* جميع الأسماء مستعارة للحفاظ على خصوصية المصادر.
مصادر:
Erotophobia: Definition, Symptoms, Traits, Causes, Treatment (verywellmind.com)
Genophobia: Living with Fear of Sexual Intercourse | Psych Central
How To Deal With Sex Phobia? - By Dr. Jitesh J Bhatt | Lybrate