المفهوم الاجتماعي والسياسي لجنسانية النساء- العلاقة ما بين الجنسانية والاعتداءات الجنسية

2024-11-10

كانون ثاني، 2010


تعتمد هذه المقالة على اطروحتي للماجستير ضمن اطار الدراسة للقب الثاني في موضوع الدراسات الجندرية، وتهدف الى تحليل المفهوم الاجتماعي السياسي لجنسانية النساء الفلسطينيات وتأثيره على الممارسات المجتمعية العامة والخاصة على حياتهن الجنسية والجنسانية وبالتالي على فهم الاعتداءات الجنسية وكيفية التعامل معها.
 

تستند ثقافتنا العربية على الكثير من المصطلحات التي ترتبط بالدين الاسلامي، والتي لها دورا كبيرا في بلورة مفاهيم لها علاقة بجسد المرأة خاصةً. فعندما نتحدث عن جسد المرأة يدور الحديث عن مصطلحات "حشمة" ، "سترة"، "عيب"،"حرام" و"حجاب" . هذه المصطلحات ساهمت وتساهم في بلورة السلوكيات الجنسية في المجتمع للرجال والنساء. ولا غرابة اذاً، عند استناد مجتمعنا على هذه المصطلحات والمغالاة في استعمالها ، في اعتبار كل تصرف له علاقة بالجسد والسترة والعنوة والعيب هو جريمة نكراء لا تُحمد عقباها.

 

عند تحليلنا لموضوع المرأة وجنسانياتها لا يمكن التغاضي عن المركبات الاساسية والممارسات والتجارب التي ترتبط ارتباطاً وثيقاًً بالجنسانية والجسد وربّما أكثرها تلك المتعلّقة بالتجارب والممارسات التي لها علاقة في الجسد; هي الاعتداءات والاساءات الجنسية التي تنبع من المفاهيم الشوفينية الرجولية التي تتعامل مع المرأة بدونية، حيث تكمن هنا العلاقة المباشرة ما بين المفاهيم،الموروث الاجتماعي والدين.

 

في هذا السياق تدّعي الباحثة النسوية فاطمة المرنيسي في كتابها " من وراء الحجاب- الديناميكية بين الرجال والنساء في المجتمع المسلم المعاصر 1987" ، ان الرجال يستعملون الدين للجم النساء والسيطرة عليهن . ان هذا الاستعمال غير السليم، يخدم بالدرجة الاولى الرجال ومصالحهم، لا سيّما عندما يدور الحديث عن النساء وعن جنسايتهن وتأثيرها على المجتمع.

 

في تطرّقها لموضوع الاجتهادات للحياة الجنسية للنساء، تقول المرنيسي انه يكمن في صميم هذا الاجتهاد، تناول المسلمين لحياة المرأة الجنسية من منطلق انشطارين او تقسيمتين مركزيتين: الدين والمجتمع واللاتي تشكلان اطارين مهمين في رسم حدود المجتمع بشكل عامة والنساء بشكل خاص. الانفصام الاول عن ان جنسانية ورغبات واحتياجات المرأة هي سلبية وخاملة ومن غير الضروري والجائز التعبير عنها باي حالة كانت.

 

في حين ان الانشطار الاخر يقول بان جنسانية المرأة هي فاعلة ومؤثرة جداً، حيث يشكّل خروجها للحيّز العام خطراً على الرجال وعلى قدرتهم للمساهمة في الحياة العامة والاجتماعية، لذلك، وبحسب هذا الادعاء، المكان الطبيعي للنساء هو فقط في الحيّز الخاص. ان هذه النظرة انما هي نتاج لتفسيرات وتأويلات رجولية محض.

بحسب هذا التفسير تعتبر جنسانية المرأة فعاّلة جداً من الناحية الجنسية بشكل عدواني وظاهر للعيان، حيث ان هذه الفاعلية تهزم الرجل وتحوّله اإلى سلبي. وفي هذا السياق يبرز مصطلح " الفتنة" ويصاغ بوصفه أحد الخصائص الجوهرية للمرأة ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرأة، حيث تنتج هذه الفتنة حالة من الفوضى الاجتماعية وتُلهي الرجال عن حياتهم المهنية والاجتماعية والعامة ،ففي اللحظة التي يلتقي رجل بامرأة تطغى بها فتنة المراة على الرجل وتهزمه.

ان المجتهدين المسلمين اخذوا هذا التشبيه القديم من الفكرة القائلة ان المرأة بطبيعتها هي فاتنة وان النساء عامةً هن حليفات الشيطان. ففي هذا السياق لا يمكن التغاضي عن المثل العربي الشائع القائل:" لا يلتقي رجل وامرأة الاَ وثالثهم الشيطان" المرنيسي 1987. لذلك وبناءً على هذا التفسير يشدد المجتمع الرجولي على فكرة المكان الطبيعي للمرأة، ألا وهو البيت، وحين تقرر المرأة بان تخرج من مكانها الطبيعي الى مكان الرجال- الحيّز العام- تقع عليها كامل المسؤولية عن خروجها من المكان المخصص لها، لانها قد حُذّرت من مغبة هذا الخروج.

 

نرى بان هذا التفسير الاساسي الذي يًستعمل والذي يطغى على افراد المجتمع حين سماعهم عن حادثة اعتداء جنسي يقع على اي فتاة او امرأة كانت، فمن هنا ينبع تذنيب الضحية عند وقوع الاعتداء عليها باعتبارها هي التي أغرت الرجل بخروجها من بيتها.

بالرغم من التقارب اللغوي والثفافي للمصطلحات الاجتماعية والدينية ، يجب الانتباه الى الاختلاف والفرق الكبيرين بينهم وللتفسيرات العديدة للاسلام ومصطلحاته المفسّرة من قبل المجتمع الذكوري. الكاتبة عائشة امام تشدد على هذا الفرق في مقالتها " اليمين الديني والاسلامي ، الاصولويون والجنسانية "1994" فهي تقول: " في النقاش الذي يدور على الاسلام وتفسيرة للنساء ولجنسانية النساء، يجب الانتباه للفرق الكبير بين الدين وبين الثقافة الاسلامية. إذ ان الدين هو الاطار الشرعي الذي يخطّ ويحدد المقاييس والقيم الاخلاقية والتي بدورها تنتج القوانين التي على المجتمع ان ينفذّها ، بينما تضم الثقافة الاسلامية سلوكيات وقوانين وعقائد قديمة والتي لا تتغير ولا تتطور دائماً بتناسق مع الاطار الديني. ان هذه السلوكيات هي من فعل الانسان المختلف عن غيرة السابق والمتغير في ذات الوقت، فهذه السلوكيات تتغير بحسب المكانة والمستوي الروحي والفكري للاشخاص الذي لا يلتزمون بقوانين الدين الاسلامي. هناك نوع من البلبلة ما بين " الاسلام" والمسلمين". الاسلام هو الدين في حين ان المسلمين هم الذين يؤمنوا بالدين ويعملوا على تطبيقه. اهمية ابراز الفرق بين المصطلحين- الدين الاسلامي والمسلم، هي جوهرية لانها تساعد الى النظر الى الاسلام وتعاملة مع موضوع المرأة والجنسانية كموروث غير تاريخي الذي يمارس بطائفة معينة دون غيرها" إمام 1994.

 

البلاغات الاجتماعية وتأثيرها على النساء:

في اطار البحث النوعي الذي اجري على 12 امرأة في اجيال مختلفة حول موضوع مفهوم الجنسانية، شاركت النساء تجاربها حياتية الجوهرية والتي لها الاثر البالغ في ممارستهن، نظرتهن لجسدهن وتعاملهن مع اجسادهن. يبيّن البحث ان تجارب النساء في البحث على اختلاف تفاصيلها وروايتها واحداثها لم يخفف من قوة وقع البلاغات الاجتماعية واسقاطات التربية عليهن وبالتالي على ردود فعلهن في حالة حدوث اعتداء او اساءة جنسية ضدهن. ان ما استطيع ان استشفه بثقة هو ان البلاغات الاجتماعية لعبت دوراً مهما ً في صياغة القمع على المرأة، حيث شكلّت البلاغات والرسائل المنقولة للفتيات في جيل الطفولة وفي جيل المراهقة أثراً كبيراً على حياتهن وبالتالي على صقل هويتهن الاجتماعية والجنسية.

الركائز الاساسية في تجربة النساء:

 

الخط الاحمر: لا يزال موضوع الجنس يعتبر خطاً أحمراً، محرّم –طابو في المجتمع العربي. ما يميّز تجربة النساء في التعامل مع كل ما يتعلق بموضوع الجنس والجنسانية هو مشاعرالخوف والخجل. ان التداعيات التي ارتبطت بتجربة النساء الجنسية كانت: شعور بالاشمئزاز من الجسد، جهل تجاه امور تتعلق بالجسد ، صمت، غربة، إسكات موضوع الجنس ومنع الحديث عنه ، عدم تحضير الاولاد في جيل المراهقة للتغييرات الجسدية، عدم المشاركة بامور تتعلق بالجسد سواء في البيت او خارج البيت، عنف جسدي وجنسي والشعور بالتهديد.

لا يمكن التغاضي عن العلاقة الوطيدة ما بين اسكات وقمع موضوع الجنس وعدم الحديث عنه وما بين السلوكيات وردود فعل النساء لاي افعال وممارسات جنسية تحدث معهن. تعترف النساء في سردهن لتجاربهن بصعوبة مشاعر الخوف التي تعتريهن حين يذكر اي رمز له علاقة بالموضوع لا سيّما الخوف من الرادع الاجتماعي والديني لذلك تمتنعن عن اي حديث عن الموضوع او ذكره حتى لو جاء ذلك على حساب حياتهن ومشاعرهن.

ان الامتناع من الحديث عن الموضوع والتطرق اليه في جيل المراهقة سواء كان في البيت او في المدرسة ، خلق في نفوس النساء أزمة وخوف وغربة تجاه الجسد وما يطرأ عليه من تغييرات، فجزء من النساء تحدثن عن الفصل التام الذي يحصل لديهن بين الجسد والفكر حين يتعرضن لتجربة جنسية غير متوقعه او غير مرغوبة او حتى مرغوبة كتجربة الزواج .

في تطرقّهن للموضوع تحدثن النساء عن البلاغات الواضحة والقاطعة في هذا المجال والتي بدورها تبلور تجربتهن الجنسية، فالكثير من النساء تحدّثن عن الصعوبة الكبيرة في مشاركة الامهات في مواضيع مثل التغييرات الجسدية في جيل المراهقة، الحب، المشاكل التي يواجهنه في المدرسة ومشاكل عنف وحتى في حالة حدوث اغتصاب. ولعل هذه التربية والبلاغات المتراكمة منذ جيل الطفولة حتى الكبر تعطي تفسيراً واضحاً للسبب الذي من أجله تتخذ المرأة او الفتاة قراراً بعدم المشاركة بتجربة الاعتداء التي تتعرض او كانت قد تعرّضت اليها والسبب في تفضليها لعدم تدّخل العائلة والمجتمع في الوقت الذي تكون بامس الحاجة اليه.

 

الثمن والشعور بالذنب:

ان اكثر الكلمات تكراراً في وعي وتجربة النساء اللاتي شاركن في البحث هما كلمتان: الثمن والشرف. جميع النساء تحدثن بشكل او بآخر عن الثمن الذي ستدفعه في حياتها من جراء تعاملها مع موضوع الجنسانية في اي حالة من الحالات، لقد تحدثت النساء عن الثمن الكبير الذي يكمن في اي تصرف غير مقبول على العائلة والمجتمع وعن مدى عدم اسعدادهن ورفضهن لدفع هذا الثمن الباهظ. ان هذا المصطلح الذي لا يكف الاهل عن ذكره في جميع مراحل التربية، يشكّل هاجساً للنساء في جميع مراحل حياتهن، ففي سياق هذا المصطلح تتمحور قضية مركزية الا وهي قضية الحفاظ على غشاء البكارة مهما كان الثمن. الغالبية العظمى من النساء تحدثن عن اهمية غشاء البكارة في تجسيد الطهارة والشرف وعن تذويتهن لاهمية الغشاء واهمية الحفاظ عليه. فهن يشعرن بالخطر والخوف الدائمين من فقدان غشاء البكارة. ربما هذا يفسّر ولو بشكل جزئي السبب الذي يشكل موضوع فحص غشاء البكارة جلّ اهتمام الضحية في حين توّجهها لطلب المساعدة من الجهات المختصة والخوف من فقدانه.

ان الاعتداءت الجنسية والعنف هما نتاج للتربية الذكورية التي يتم فيها صقل الهويات الجندرية المنمّطة. ان التربية التي ينشأ عليها الرجل والتي تعتمد القوة والسيطرة في اساسها والتربية التي تنشأ عليها المرأة والتي تعتمد الخنوع والخوف والتهميش يشكلاّن حلقة كبيرة في فهم ظواهر اجتماعية كثيرة التي تميّز وضعية المرأة وبالتالي تميّز ديناميكية الاعتداءات والاساءات الجنسية.

لا غرابة اذاً في ان يخلص البحث الى ان أهم النقاط التي تحدثن عنها النساء المشاركات في البحث، هي التربية والرسائل التي يتلقاها الفرد في البيت والتي تساهم في صياغة هويته الجندرية وبالتالي في ممارساته وسلوكياته.

لقد عبرت النساء عن اهمية تطوير بدائل تربوية في العائلة وفي المدرسة من اجل تشكيل قاعدة مفتوحة التي تمكّن النشئ الجديد من فهم موضوع الجنسانية والجسد والتعامل معهما كأمور طبيعية وفهمها بالشكل السليم. الكثير من النساء وخصوصاً اللاتي تحدثن عن ممارسات عنف او اعتداءات كنّ قد تعرضن لها، أكدن على انعدام التوجيه والتثقيف في المراحل المبكرة من حياتهن والذي أدى الى انعدام معرفتهن بكيفية طلب المساعدة وبالتالي انعزالهن وشعورهن بالوحدة إزاء التجربة الصعبة التي عانين منها.

حاولت ان أظهر من خلال هذه المقاله بان موضوع الاعتداءات الجنسية ينبع من سياق مجتمعي واجتماعي وجندري وان معالجة قضية الاعتداءات الجنسية تبداً في تغيير الافكار والمفاهيم النمطية التي تحط من مكانة المرأة وتختزلها الى جسد قابل للانتهاك والاساءة. المطلوب هنا ومن أجل منع ممارسات القمع والعنف ضد النساء والفتيات والاطفال أولا:ً العمل على تغيير مفاهيم وقيم ترتبط بمفاهيم بالية وذكورية وثانياً : التعامل مع موضوع الاعتداءات الجنسية والتعاطي مع مركباتها ومسبباتها والتربية التي تنتجها من اجل القضاء عليها، علينا التعامل مع كلمة الجنس بسياقتها المختلفة واسقاطاتها الناتجة عن الفهم المغلوط والاستعمال غير السليم والعمل على تصحيح الخطأ.

طالما استمر المجتمع في رؤية وفهم موضوع الاعتداءات الجنسية كفعل من نتاج المرأة والتي هي " المذنبة" به وطالما نستمر في سماع وقوع افعال اعتداء من اية درجة كانت، فان هذا يجب ان يثير ريبتنا ويؤشر لنا بان الطريق امامنا، ما زالت طويلة، من اجل التغيير الاجتماعي ومن اجل تأسيس علاقة صحيّة مساوية وطبيعية بين الرجال والنساء في المجتمع.

 

 

 

مصادر:

ألمرنيسي، فاطمة. (1987). "ما وراء الحجاب- ديناميكية النساء والرجال في المجتمع المسلم المعاصر". بلومينغتون وايندنيافوليس: جامعة اينديانا. دار سخينكمان للنشر، نيو يورك.

إمام، عائشة. (1994). " اليمين الديني والاسلامي ، الاصوليون والجنسانية". المرأة والجنسانية في المجتمعات الاسلامية. ايلكاركان. دمشق: دار المدى للثقافة والنشر. ص ص 151-177.

____________________________

* منال شلبي هي ناشطة نسوية وسياسية في فلسطين.

مقالات شبيهة

هل أنت مستعد للزواج؟ والأهم.. هل تتمتع بهذا الامتياز؟
هل أنت مستعد للزواج؟ والأهم.. هل تتمتع بهذا الامتياز؟
المزيد ...
المتعة الجنسية للمرأة: بين الغريزة والعرف الاجتماعي
المتعة الجنسية للمرأة: بين الغريزة والعرف الاجتماعي
المزيد ...