مقالات
ما بين الأهل والإنترنت.. مصادر المعرفة الجنسانية في العالم العربي
2024-11-10تصادفنا في حياتنا اليومية الكثير من المعلومات المغلوطة عن الصحة الجنسية والإنجابية، تلك المعلومات تصير مصدقة بسبب شيوعها، ويكون من الصعب تغيير هذه المعلومات بسبب الحساسية التي تحيط بهذه الموضوعات في مجتمعاتنا العربية.
يبدأ البحث عن المعلومات في الصحة الجنسية والإنجابية منذ بداية المراهقة، وهي فترة مهمة في عمر الإنسان، فكثيرًا ما ترسخ المعلومات التي يحصل عليها المراهق أو المراهقة في هذه الفترة.
وسط تداول المعلومات عن الصحة الجنسية، الصحيحة منها والمغلوطة، يظهر سؤال مهم، وهو مصدر هذه المعلومات.
كان هذا السؤال هو ما انصب عليه البحث الذي أجراه منتدى الجنسانية هذا العام، والذي حمل عنوان "مصادر المعرفة الجنسانية للشبان والشابات العرب من فلسطين ومصر ولبنان وتونس والأردن: دراسة كميَّة-كيفية"، أجرت البحث الباحثتان الميدانيتان مي جمال مصطفى وروفيه عاد حامد، وأشرفت عليه صفاء طميش، وساهمت فيه بالتحليل والكتابة العلمية د. رباب طميش.
أُجري هذا البحث في إطار توسيع نطاق اهتمامات منتدى الجنسانية سواء على مستوى المضمون أو على المستوى الجغرافي، إذ ضم الشابات والشبان من جميع أنحاء العالم العربي وليس فلسطين فقط.
والبحث أيضًا كان حلقة ضمن سلسلة من استطلاعات الرأي والدراسات التي يجريها المنتدى لمعرفة آراء وتوجهات الشباب العربي من قضايا الجنسانية وفهم هذه التوجهات.
انبنى هذا البحث على استطلاع رأي أرسل إلى عدد كبير من الشباب العربي، ولقد اقتصر البحث على الشابات والشبان الذين أنهوا الاستطلاع بالكامل، وهم 863 مبحوثًا ومبحوثة من مصر وفلسطين وتونس ولبنان والأردن.
بعدها شارك 27 مبحوثًا ومبحوثة في أربع مجموعات بؤرية ليستقصي المنتدى بشكل أكبر عن طبيعة المصادر التي يعتمد عليها الشباب في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
العائلة أولًا
إذا فكرت بشكل تلقائي عن مصادر المعلومات التي عرفت منها المعلومات الجنسية ضمن مراهقتك، ستعدد بضع مصادر، منها الأهل ومنها الأصدقاء، ومنها الإنترنت بالطبع.
في الحقيقة توصل بحثنا إلى أن المراهقات والمراهقين يستعينون بنفس المصادر السابق ذكرها، ولكن المسألة لا تقتصر على تعداد المصادر، ولكن طبيعة وتفاصيل الاعتماد عليها.
توصلنا من البحث أن للأم دور أساسي كمصدر للمعرفة الجنسية، وخاصة لدى الإناث. من جهة التغيرات الجسدية الشكلية، تعتمد الفتاة بشكل كبير على المعلومات التي تتلقاها من الأم، وهذه التغيرات تضم: نمو شعر الجسم وبروز الثديين والدورة الشهرية والنظافة العامة.
ولكن حين تنتقل التساؤلات إلى التغيرات النفسية والانجذاب الجنسي والاحتلام الليلي، وممارسة الاستمتاع الذاتي، والعلاقات في العموم، يتراجع دور الأم، وتلجأ الفتيات والفتيان إلى الأصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعي للإجابة عن هذه التساؤلات.
وفي المقابل يتراجع دور الأب كمرجع للمعرفة الجنسية. ويعود هذا إلى افتراض شائع في عالمنا العربي، يرى أن الأم هي المسؤولة عن تربية الأطفال والحوار معهم في الأمور الحميمية، وليس الأب.
إذًا دور الأم قائم، ولكن في موضوعات بعينها على حساب موضوعات أخرى، أما دور الأب فيتراجع.
أقرَّ المبحوثون أنهم يودون أن يكون للأهالي دور أكبر، ولكنهم يرون أن المشكلة تكمن في أن الأهالي لا يمتلكون الآليات أو المعلومات الكافية التي تجعلهم مرجعية في شؤون الصحة الجنسية والإنجابية.
الحلال والحرام
يلجأ الشباب العربي إلى المواقع الدينية على الإنترنت والمراجع الدينية في العموم، كما هو متوقع، وذلك في الشؤون الجنسية، ولكن مع ذلك اتضح من بحثنا وجود وعي بأن اللجوء للمرجعية الدينية يتعلق بتوضيح الحلال والحرام، ولكنه في نفس الوقت لا يقدم معلومات علمية كافية. ولم ير المبحوثون أن بحثهم عن المعلومات العلمية خارج المرجعية الدينية يؤثر على مدى تدينهم، إذ كانوا واعين بالفارق بين المعرفة العلمية وبين معرفة الحلال والحرام من وجهة النظر الدينية.
الإنترنت.. المرجع الأبرز
80 في المئة من المشاركين في الدراسة اعتبروا أن الإنترنت هو مصدرهم للوصول إلى معلومات متعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية. وهذا مفهوم في سياق أن الإنترنت يقدم للشباب المعلومات بدون الحاجة للتصريح أو مشاركة مشاعرهم.
ولكن توجد نقطة مثيرة للاهتمام عند لجوء الفتيات والفتيان إلى الإنترنت، فهم يميزون المواقع العلمية وفقًا لنسبة المشاهدة التي يحظى بها المؤثرون والمؤثرات الذين يقودون المنصات التي تذكر فيها المعلومات العلمية. بالإضافة إلى أنهم يميزون المعلومة الصحيحة بنسبة تكرارها في أكثر من منصة.
الثقة بالمصادر
نقطة مهمة اهتم بها البحث وهي تباين الثقة بالمصادر المتنوعة. على سبيل المثال يعي المبحوثون والمبحوثات أن الأصدقاء والمواقع الإلكترونية ليسوا مرجعيات علمية موثوقة بالكامل. بل إن أكثر من 50 في المئة من المبحوثين والمبحوثات نوهوا بالحاجة إلى التعمق في مضامين تتعلق بالعلاقات الجنسية والجنس الآمن والحب والعلاقات، ما يشير إلى عدم الوثوق كلية في مصادر المعرفة المتاحة لهم حاليًا.
من أجل مصادر أكثر شمولًا
نقطة الانطلاق التي ينبغي أن نبدأ منها طوال الوقت هو الاعتراف بأن الحق في المعرفة الجنسانية حق من حقوق الإنسان. ويضم الحق في المعرفة القيم الأساسية لتشكيل الهوية الذاتية للفرد، كالتغيرات الجسدية والعلاقات الجنسية والصحة الإنجابية وطرق الحماية والأدوار الاجتماعية.
هذا ما تقر به المنظومة الحقوقية الدولية، ولكن المشكلة أن تطبيق هذا الحق غير موجود في العديد من دول العالم، أو في بعض الأحيان يقتصر على التركيز على "الحماية"، أي الحماية من الاستغلال والتحرش والأمراض المنقولة جنسيًا. رغم أن التربية الجنسية بشكل شامل ستحقق أيضًا دورها في تعزيز "الحماية"، إذ تتوفر أدلة بحثية تشير إلى أن الأطفال الذين لم يتلقوا معرفة جنسانية كانوا أكثر عرضة للاستغلال والتحرش، وأكثر صمتًا وكتمانًا بشأن تعرضهم لاعتداء، مقارنة بمن تلقوا هذه المعرفة.
ومن منطلق تعزيز هذا الحق الإنساني، ووفقًا لبحثنا عن مصادر المعرفة الجنسانية، انتهت الدراسة بهذه التوصيات:
1. يظل الأهل مرجعية أساسية لدى الشابات والشابات، مع إشارتهم إلى أن الأهالي يفتقدون الآليات والمعلومات الكافية، لذلك من المهم تطوير منتج معرفي وأدوات تربوية وبرامج توعوية لتعزيز دورهم مع الأطفال والمراهقين.
2. ينبغي إجراء تحليل معمق للمضامين التي تنشرها المواقع الإلكترونية، وتحديدًا المؤثرات والمؤثرين الذين يعتمد عليهما الشباب. ويمكن التعاون مع المؤثرين ذوي التوجهات التقدمية للإسهام في نشر المعارفة الجنسانية وتحدي المفاهيم المغلوطة المتداولة.
3. ينبغي إجراء تحليل معمق للوحدات التدريسية في المناهج العربية المتعلقة بالجنسانية في المدارس. تعزيز دور المربيات والمربين في المدارس وغيرها من المؤسسات التي تتعامل مع الشباب يسهم في كسر التوجهات السائدة نحو اعتبار المراهقة مرحلة خطرة، ويساعد الفتية على فهم احتياجاتهم والتغيرات التي يمرون بها.
4. يميل الشابات والشبان إلى المصادر المرئية والشفوية على حساب المصادر المكتوبة. لذلك لا بد من مراعاة روح العصر واحتياجات الشباب والطبيعة "الشفاهية" في تناقل المعلومات والأفكار في العالم العربي، وتقديم محتوى مناسب لذلك.
5. يشغل الأصدقاء مكانة مهمة في تناقل المعلومات الجنسانية، لذلك لا بد من توفير برامج لتثقيف الأقران، لأنهم قادرون على الوصول إلى فئات لا تتمكن البرامج التدريبية التقليدية من الوصول إليها.