مقالات
ممنوع اللعب.. هوس البكارة الذي يقطف طفولة الفتيات
2024-11-10"لحد دلوقتي كل ما بشوف عجلة بحس إن قلبي بيدق، عايزة أركب عجلة تاني"، تصف سارة إسماعيل * (35 عامًا) شعورها بعد مضي أكثر من عشرين عامًا على حرمانها من ركوب الدراجة، التي لطالما تسابقت عليها مع إخوانها الأصغر سنًا في الشارع الذي سكنت فيه عائلتها خلال طفولتها.
كانت هذه الدراجة - أو العجلة كما تسميها سارة- مصدر الترفيه الرئيسي لها ولإخوانها طوال أشهر الصيف، أثناء عطلة نهاية العام الدراسي، بالإضافة إلى أوقات الفراغ بعد نهاية اليوم الدراسي والانتهاء من الواجبات الدراسية، لتكون الدراجة هي جائزة اليوم المليء بالإنجازات الطفولية.
لكن متعة الطفولة لم تستمر كثيرًا، فبعد أعوام قليلة زارتها أول دورة شهرية، لتبدأ الأسرة في اتخاذ إجراءات الطوارئ المتعلقة بانتهاء مرحلة الطفولة والدخول إلى مرحلة البلوغ، التي تستوجب وضع نهاية للطفولة السعيدة، والانتقال إلى مرحلة المراهقة التي تفرض العديد من القيود على الفتيات، وعلى رأسها الحرمان من ركوب الدراجة، خوفًا على "عذريتها" من الضياع في إحدى القفزات على "العجلة"، وهو أمر لا تحمد عقباه بالنسبة لأسرتها.
سارة ليست الوحيدة التي مرت بهذه التجربة التي يمتد أثرها لسنوات طويلة، فهناك العديد من الرياضات التي ترفض الأسر المصرية ممارسة فتياتها لها مثل ركوب الدراجات والخيل والباليه وغيرها من الرياضات المحرمة على الفتيات. يعود ذلك إلى الهوس المجتمعي بما يعرف بـ"غشاء البكارة"، وما يرتبط به من خرافات تتعلق بـ"الشرف" و"عفة" الفتيات التي يتعين الحفاظ عليها، ليفوز لاحقًا بها الزوج المستقبلي، الذي بالقطع لن يقبل بالزواج من فتاة فقدت "عذريتها" حتى لو خلال لعب الطفولة.
أنتِ بنت
عندما بلغت سارة سن الثالثة عشر تقريبًا، ما كان من أسرتها إلا أن منعتها من الاستمرار في ركوب الدراجة، في حين سُمح لإخوانها الذكور بالاستمرار في ركوبها، في إعلان صارخ عن الظلم الذي غص قلبها الطفل وعقلها الذي لم يستوعب بعد ماذا يحدث. "اتقال لي انتي بنت وكبرتي وما ينفعش، وكل البنات بيبقى عندها غشاء بكارة، ولو اتقطع بسبب ركوب العجل فانتي مش هتتجوزي ومحدش هيصدق إنه اتقطع من عجلة"، تروي الشابة.
اعتقدت أسرة سارة حينها أن ركوب الدراجة قد يتسبب في "فض الغشاء"، لذا فمن الأسلم أن تُمنع من الرياضة بشكل عام. إكليل المهبل (Vaginal hymen) الذي يُعرف مجتمعيًا بغشاء "البكارة" بحسب دليل "خرافات العذرية" (Myths surrounding virginity) الصادر عن لجنة الإنقاذ الدولية IRC في عام 2018، هو عبارة عن مجموعة من الأنسجة المخاطية التي تقع على بعد 1 إلى 2 سم داخل فتحة المهبل. ويختلف إكليل المهبل الذي يطلق عليه كذلك بالهالة المهبلية (Vaginal Corona) من حيث الشكل والحجم واللون والمرونة، ويتغير طوال حياة المرأة حسب العمر والتطور الجنسي والمستويات الهرمونية.
لكن البعد المجتمعي الذي يحيط بالإكليل يخضعه للعديد من الأساطير والخرافات المرتبطة بمفاهيم "الشرف" و"العذرية"، في حين أنه لا يمتلك أي وظيفة عضوية، بل على الأرجح أنه من بقايا نمو الجنين، وفقًا للدليل الذي ينفي أي علاقة بين شكل إكليل المهبل والممارسة الجنسية.
أشكال مختلفة وطبيعية لغشاء المهبل- مصدر الصورة: دليل "خرافات العذرية" لجنة الإنقاذ الدولية
أساطير الرياضة والعذرية
في سن الثامنة تقريبًا، بدأ النقاش في بيت الكاتبة والناقدة الفنية ليلى عادل* (28 عامًا) حول الرياضة التي ستلعبها في النادي، إذ حظيت الرياضة عمومًا باهتمام كبير بين أفراد العائلة التي حرصت على ممارسة بناتها وأبنائها لإحدى الرياضات منذ الطفولة. تحمست ليلى كثيرًا لاقتراح عمتها للعبة الجمباز التي كانت الأسهل بالنسبة لها في ذلك الحين، ومن ثم الانضمام إلى فريق النادي للجمباز. إلا أن أمها وأدت الفكرة في مهدها رافضًة هذه الرياضة لكونها "خطرًا على غشاء البكارة".
"ماما كانت رابطة أي رياضة فيها تنطيط ووقوع بالغشاء"، تروي ليلى مضيفة أن والدها لم يتدخل في النقاش تاركًا الأمر برمته للأم لتقرر مصير ابنتها، إذ رأى أن "أكيد إنها تحافظ على نفسها أهم من أي رياضة".
في باكستان، تشير الباحثة رضا الله والباحث حازير الله في دراستهما "العامل المؤثر في مشاركة الفتيات في الرياضة" Factor Affecting Young Girls Participation in Sports، والمنشورة في عام 2021، إلى أن أحد العوائق التي تحول دون ممارسة الفتيات للرياضة هو الاعتقاد الذكوري بأن الرياضة شيء رجولي بالأساس، وأن النساء والفتيات لا يحق لهن ممارسة الرياضة بشكل عام. هذا الاعتقاد الذي تغذيه الثقافة المغلوطة حول وجود علاقة بين ممارسة الفتيات للرياضة وفقدان "عذريتهن" المتمثلة في إكليل المهبل مما يهدد مستقبلهن ويقوض فرصهن في الزواج، بل والإنجاب كذلك.
لا يختلف الأمر كثيرًا في مصر، فنفس الخرافات التي تربط بين لعب الرياضة و"عذرية" الفتيات متجذرة في الثقافة المصرية، وعليه، تُحرم العديد من الفتيات من لعب رياضاتهن المفضلة بذريعة الحفاظ على "عذريتهن".
استمرت النقاشات العائلية حول الأمر حتى انتهت المفاوضات بين ليلى التي كانت ترغب بشدة في ممارسة رياضة الجمباز وأمها التي أخذت في إقناعها بأهمية "الغشاء" للفتاة في المستقبل، بنزولها على رغبة الأم والتخلي عن هذه اللعبة رغم عدم اقتناعها تمامًا بالفكرة من أساسها، "حسيت إن أنا هعيش كل حياتى خايفة على حاجة أنا مش شايفاها".
لا تختلف تجربة ضحى أحمد * (50 عامًا) كثيرًا عن سارة وليلى، إذ منعتها والدتها من الاستمرار في لعبة الجمباز أيضًا بسبب الخوف على إكليل المهبل. وجاء قرار الأم بعد واقعة سقوط طفلة في حمام السباحة وإصابتها في "المنطقة الحساسة"، لتفزع الأم بعد مشاهدة النزيف وتقرر منع طفلتها من الاستمرار في اللعبة التي كانت متفوقة فيها، "اتضايقت جدًا إني اتمنعت من حاجة بحبها"، بحسب رواية ضحى. بل تطور الأمر مع الأم لترفض ممارسة الابنة لأي رياضة قتالية مثل الكاراتيه والجودو بسبب تمارين الإطالة "stretching exercises" التي قد تؤثر -في مخيلتها- على الغشاء، الذي تُمنح الأولوية دائمًا للحفاظ عليه. ولنفس السبب منعتها كذلك من ركوب الدراجة في الصف الأول الإعدادي بالرغم من أنها كانت على درجة عالية من التعليم، وهو ما تتعجب له ضحى: "بس الموروثات بقى".
بالإضافة إلى أن الرأي الطبي يرى أن وضع إكليل المهبل لا يدل على وجود ممارسات جنسية سابقة من عدمها، تؤكد الطبيبة النسائية ومؤسسة مبادرة Neswa Diaries للتوعية بالصحة الجنسية والإنجابية، د. ياسمين أبو العزم، عدم وجود إثبات طبي على أن ممارسة أي نوع من الرياضة يؤثر على إكليل المهبل الذي يتميز بالمرونة، وبالتالي يتطلب الأمر الضغط على الغشاء بقوة أكبر من قدرته على التمدد حتى يتم القطع، وهو ما لا يحدث عند ممارسة الرياضة.
ومع ذلك، تخشى العديد من الأسر على فتياتها من فقدان هذا الغشاء ليس فقط أثناء ممارسة أنواع معينة من الرياضة، بل كذلك السقوط أثناء اللعب أو الركض أو حتى "شطافة" المياه بحجة "خايفين على الغشاء"، بحسب د. ياسمين التي شهدت بالفعل العديد من هذه الحالات خلال خبرتها العملية كأخصائية للنساء والتوليد، مما قد يصل إلى امتناع الفتيات أنفسهن عن هذه ممارسة هذه الأنشطة استجابة للهوس المجتمعي بخرافة البكارة والعذرية والخوف الشديد على الغشاء الذي يحدد مستقبل الفتيات في وجهة نظر المجتمع.
بالفعل، امتنعت سارة عن ركوب الدراجات لمدة عشرين عامًا حتى تأكدت من عدم صحة الأساطير المرتبطة بالرياضة و"العذرية"، لتحاول أن تعود لشغفها القديم بركوب الدراجة، إلا أن شوارع القاهرة المليئة بالتحرش والمضايقات لم تسمح لها بالاستمرار في ذلك، لتتراجع عن الفكرة بعد أيام قليلة.
تدفع الفتيات والنساء أثمانًا متعددة من صحتهن النفسية والجسدية في مقابل المعتقدات والموروثات الثقافية المرتبطة بـ"البكارة" و"الشرف" وغيرها من المفاهيم التي تفرض على النساء العديد من القيود وتحول دون تمتعهن بطفولة طبيعية تنعكس على جميع مناحي حياتهن في المستقبل، مثل حرمانهن من ممارسة أنواع معينة أو جميع أشكال الرياضة، في حين أن جميع هذه المعتقدات ليست أكثر من خرافات وأساطير تتوارثها الأجيال لم يدعمها أي دليل علمي أو طبي.
(*) أسماء مستعارة