مستلزمات الحيض المستدامة.. ملاذ السودانيات في ظل الحرب

2024-11-10

بقلم : آية ياسر

"خلال الصيف الماضي اضطررت أنا وأخواتي لاستخدام الأقمشة والملابس القديمة خلال الدورة الشهرية لأن الفوط الصحية لم تكن متوفرة، وإذا وجدت تكون غالية الثمن، وحتى  الخروج من البيت أصبح خطرًا على حياتنا بسبب القصف والاشتباكات".

 

تحكي الشابة العشرينية "صفية"، التي تعيش مع شقيقاتها في أم درمان، كيف عانين من صعوبة الوصول إلى الفوط الصحية بسبب شحها في الصيدليات والأسواق وتضاعف أسعارها، بعد اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل من العام الماضي.

 

الأمر نفسه واجهته السيدة الثلاثينية "فاطمة" التي تعيش في الخرطوم، وما زاد معاناتها أن لديها ورمًا ليفيًا في رحمها يسبب لها نزيفًا شديدًا خلال الحيض،  وتحتاج لتغيير الفوطة الصحية كل ساعة، لكنها لم تعد تجد الفوط بسهولة بسبب الحرب.

 

تقول فاطمة: "عندما كانت الاشتباكات تدور من حولنا لم أستطع الخروج من البيت لشراء الفوط الصحية، واضطررت لاستخدام قطن الحشو الخاص بالوسائد، لكن أصابتني التهابات مهبلية شديدة لكونه ملوثًا".

 

ولأن ‎الحيض عملية فسيولوجية لدى النساء في سن الإنجاب،  لا تتوقف خلال الحروب والكوارث والأزمات، فإن النساء يواجهن حينها معاناة إضافية لنقص مستلزمات الحيض بالأسواق وتضاعف أسعارها، كما تؤكد د. مهاد عبد الله، مؤسسة مبادرة empower، والمدربة في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في السودان.

 

 "لا يوجد زر يمكن ضغطه لإيقاف الدورة الشهرية، وهنا تكمن أهمية مستلزمات الحيض المستدامة خلال الحروب".. تقول مهاد، موضحة أنه بسبب توقف العمل والرواتب نتيجة للحرب اضطر الأهالي لصرف مدخراتهم؛ فأصبحت الأولوية للغذاء والدواء وتحولت الفوط ومستلزمات الحيض لأمور ثانوية".

 

نشر ثقافة الحيض المستدام


 

بعد اندلاع الحرب السودانية تعاملت الحركات النسوية مع نقص الفوط الصحية بإيجابية؛ فأطلقن حملات "فوطة تسد الخانة، فوطة سلام ، المليون فوطة مستدامة "، لنشر ثقافة الحيض المستدام وتوزيع الفوط الصحية القماشية الصديقة للبيئة والقابلة للغسل وإعادة الاستخدام، على مئات النساء مجانًا.

 

ويشير مصطلح الحيض المستدام لاستخدام منتجات الحيض الصديقة للبيئة والتي لا تسبب جفافًا مهبليًا أو حساسية أو التهابات، كأكواب الحيض، والفوط القماشية أو البامبو المستدامة، وأقراص الحيض، وسروال الحيض.

 

وتساهم زيادة الوصول لمنتجات الحيض المستدامة في الحد من فقر الدورة الشهرية لدى النساء بالبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، نظرًا لانخفاض تكلفتها مقارنة بالفوط الصحية التقليدية؛ حيث تُقدَّر تكلفة شراء كأس الحيض بنحو 5% إلى 7% من تكلفة الفوط الصحية والسدادات القطنية التي تستخدم لمرة واحدة، أما الفوط القماشية فيمكن غسلها وإعادة استخدامها لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات، ومعظم الملابس الداخلية المخصصة للدورة الشهرية تدوم لمدة تتراوح بين 2 إلى 6 سنوات.

 

مستلزمات الحيض التقليدية

 

أزمة الفوط الصحية بالسودان دفعت د. مروة تاج الدين، الخبيرة في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ومؤسسة مبادرة  "let's talk period sudan" لإطلاق حملة المليون فوطة مستدامة، لتخفيف معاناة النازحات بمعسكرات اللجوء ودور الإيواء، عبر جمع التبرعات لشراء الفوط الصحية القماشية من مصنع السلام وتوزيع مليون منها عليهن بالمجان؛ حيث يبلغ سعر العبوة التي تحتوي على ثلاث فوط صحية قماشية، 5 دولارات، وهي تكفي السيدة الواحدة مدة سنة كاملة، بجانب تقديمها التثقيف الصحي للتعامل مع الحيض والعناية بالفوط القماشية وتنظيفها.

 

وتأتي الحملة ضمن مبادرة let's talk period، التي أسستها في يونيو 2020، لرفع الوعي بالقضايا والحقوق الصحية والإنجابية، ونشر ثقافة الحيض المستدام للحفاظ على الصحة والبيئة والمال، وتوفير بديل مستدام للنساء.

 

وتقول مروة: "بعد الحرب أصبحت هناك ندرة في الفوط الصحية وعدم قدرة على شرائها، مما دفع مبادرات نسائية لجمع التبرعات لتوفيرها للنساء في السودان لحفظ كرامتهن ومساعدتهن على ممارسة حياتهن اليومية والحفاظ على صحتهن".

 

وترى تاج الدين أن أهمية مستلزمات الحيض المستدامة تزداد خلال الحروب لقلة الموارد والاحتياجات والبنى التحتية والمستشفيات، لكن ما يحول دون انتشارها بالوطن العربي، قلة الوعي بالحقوق الجنسية والإنجابية واعتبارها من التابوهات، ووجود أفكار سلبية حول غسل الفوط الصحية القماشية، تعتبر أن دم الحيض مقرف، إضافة لخرافة إكليل المهبل أو غشاء البكارة، والتي تحول دون استخدام الفتيات لكؤوس الحيض، إضافة لقلة الاهتمام بقضايا الصحة والبيئة.

 

وتوضح  د. مهاد عبد الله، أنه قبل الحرب لم تكن قطاعات واسعة من النساء بالسودان يتقبلن استخدام الفوط الصديقة للبيئة، لعدم معرفتهن بطرق تنظيفها والاعتقاد بأنها قد تسبب الالتهابات، وخجل الفتيات من أدوات الحيض، وكون المرافق الصحية العامة غير ملائمة في كثير من الأماكن، ولكن في ظل الحرب واستمرار التوعية، قد تلجأ لها العديد من السودانيات، أما بالنسبة لاستخدام كؤوس أو أكواب الحيض فإنها تراها مصنفة كأداة للمتزوجات في مجتمعاتنا العربية بسبب غشاء البكارة والاعتقادات المحيطة به.

 

الخيار الأنسب في ظل الحروب


 

تعد مستلزمات الحيض المستدامة ضرورة ملحة في ظل النزاعات والحروب  بالمنطقة، بحسب د. تبيان الحسين، طبيبة سودانية وخبيرة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقات، والمؤسس والمدير التنفيذي لنادي شامي للفتيات، والتي تؤكد صعوبة الوصول لمستلزمات النظافة الشخصية والعناية بالحيض نتيجة عزلة المناطق وتعطل التجارة، بجانب عدم القدرة المالية على شرائها، بعدما ارتفع سعر عبوة الفوط الصحية بالسودان من 200 جنيه سوداني إلى أكثر من ألف جنيه، مبينة أن الأنثى تحتاج لعبوتين أو أكثر؛ لذا تغني مستلزمات الحيض المستدامة عن معاناة البحث عن الفوط الصحية وتوفر المال لكونها تدوم لفترة طويلة، وتغني عن استخدام البدائل غير الصحية.

 

مستلزمات الحيض

 

وتعتبر الحسين أن الفوط القماشية المستدامة، الخيار الأنسب في الأماكن التي تتوفر بها المياه، بينما كؤوس الحيض يصعب استخدامها في دولة كالسودان ينتشر بها تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان) من الدرجتين الثانية والثالثة، والذي يتم خلاله خياطة الشفرين الكبيرين والصغيرين، وتصبح فتحة المهبل نتيجة لذلك ضيقة للغاية لا تسمح بإدخال كوب الحيض وتسبب لضحايا التشويه آلامًا شديدة، إضافة لوجود ثقافة العذرية.

 

تصنيع الفوط الصحية المستدامة


 

الحاجة إلى الفوط القماشية المستدامة دفعت د. صفية الفادني، مديرة مصنع السلام في السودان، لتصنيع للفوط الصحية القماشية وحفاضات الأطفال المستدامة، بشراكة مع إحدى الشركات القابضة الكبيرة، وتمويل من الحكومة الهولندية، لكن عقب افتتاح المصنع بالخرطوم في عام 2020، اندلعت الحرب وتضرر بسبب القصف، فتم نقله لمنطقة أم درمان.

 

وبسبب معاناة السودانيات من نقص الفوط الصحية؛ كثفت صفية جهودها بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني بالسودان والمنظمات الإنسانية العالمية والتي تشتري إنتاج مصنعها من فوط قماشية مستدامة، وتوزعها على النساء النازحات وتفتح الممرات الآمنة للوصول للمتضررات في أماكن النزاعات المسلحة بالسودان وأفريقيا.

 

وتدرس صفية وشركاؤها إمكانية افتتاح مصنع جديد في مصر  يصدِّر إنتاجه من الفوط المستدامة لدول عربية أخرى، لا سيما المتضررة من الحروب، كما تفكر في إنتاج سراويل الحيض.

 

وتوضح الفادني أن الفوط القماشية التي ينتجها مصنعها والتي تحمل علامة تجارية تسمى "آمنة"، تتكون من طبقتين من الأقمشة القطنية الممتصة التي تعالج بطريقة تكنولوجية، إضافة لنوع من الأقمشة المانعة للتسرب، تسمح مسامها بدخول الهواء ولا تسبب الالتهابات والاحمرار في المنطقة الحساسة، وتمنع توالد البكتيريا والفيروسات، ويمكن استخدامها لمدة تتراوح بين 6 إلى 8 ساعات، ثم تُغسَل بالماء والصابون وتُعرَض للشمس حتى تجف، وتبلغ تكلفة الفوطة حوالي دولار  واحد، ويتراوح عمرها الافتراضي بين تسعة أشهر إلى عام؛ لذا تعد خيارًا اقتصاديًا مقارنة بالفوط الصحية التقليدية، بجانب كونها صديقة للبيئة.

 

ويمكن القول إن تجربة النسويات السودانيات في التعامل مع نقص الفوط الصحية مثيرة للاهتمام، ويمكن أن تتحول إلى مصدر إلهام للعديد من النساء في دول المنطقة المتضررة من  الحروب والأزمات الاقتصادية.

مقالات شبيهة

تأخير الدورة الشهرية.. وسائل سهلة ومخاطر محتملة
تأخير الدورة الشهرية.. وسائل سهلة ومخاطر محتملة
المزيد ...