مقالات
الصدمة النفسية والاعتداء الجنسي
2024-11-1017/7/2007
تعتبر الصدمة النفسية او التراوما (trauma) إحدى الظواهر النفسية القاسية والصعبة في حياة الذين عاشوها، ولذا فهي تدرّس وتبحث بشكل واف وعميق في العديد من الجامعات والمؤسسات التي تعنى بالامراض النفسية محلياً وعالمياً. إذ نرى العديد من المراكز المؤهلة لعلاج الصدمة النفسية الناتجة عن الحروب والكوارث الطبيعية وحوادث صادمة اخرى كالاعتداء الجنسي مثلا. سأحاول في هذه المقالة التطرق لتعريف الصدمة النفسية، أسبابها وعوارض ما بعد الصدمة(PTSD- posttraumatic stress disorder) بشكل عام، ومن ثم سأتمركز بشكل خاص بتلك الناتجة عن حالات الاعتداء الجنسي، حيث سأقوم أيضا بتعريف الاعتداء الجنسي وأنواعه، وثم أتناول الصدمة النفسية الناتجة عنه.
المعنى الأصلي للكلمة اليونانية "تراوما" (Trauma) هو جرح، أو ضرر يلحق بانسجة الجسم. واليوم نستعمل الكلمة بمعنى "صدمة نفسية" لوصف وضع يجرب فيه الشخص حدثاً صعباً جرحَ نفسه.1
تتفاوت ردود فعل الأشخاص للحوادث الصادمة، فليس بالضرورة أن يعاني كل من تعرض لحدث صادم، لعوارض ما بعد الصدمة، أو اضطرابات أخرى، إذ ترتبط هذه الردود بقدرة الفرد على مواجهة الحدث. وتتأثر هذه القدرة بالوسائل الدفاعية المختلفة لديه، كتكوينه النفسي وثقافته ومعتقداته، وهي الأمور التي ننشأ عليها منذ الولادة، وتتطور خلال سيرورة حياتنا. تتأثر قدرة الفرد أيضا بمدى الدعم الذي يتلقاه من المحيطين به. وبناء على هذا، فقد يعاني أشخاص من صدمة نفسية نتيجة حادث طرق، بينما يواجه آخرون الحدث ويتأقلمون معه.
يتعافى بشكل عام معظم الذين يتعرضون لحدث صادم بعد بضعة اشهر دون حاجة ملحّة للعلاج النفسي. تجدر الإشارة أيضا إلى أن الصدمة النفسية لا تعكس بالضرورة رد فعل لتعرّض مباشر للحدث، بل قد تكون نتيجة لتعرض غير مباشر، كأن تنتج عن إصابة شخص من العائلة او صديق، أو مشاهدة حدث معين على التلفاز، أو سماع خبر معين.
يعرّف المرشد التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM2 الصدمة النفسية ، وفق معايير زمنية وسلوكية معينة يتوجب حدوثها كي يُشخَّص المريض بأنه يعاني من عوارض ما بعد الصدمة النفسية.
هنالك عاملان قد يجعلان الحدث صادماً:
1) أن يكون الحدث تهديدا بالموت أو إصابة خطيرة تلحق بنا او بشخص آخر.
2) شعور قوي بالخوف والعجز والرعب (عند الأطفال تظهر عوارض سلوكية مشوّشة أيضا أو عصبية)
من مؤشرات ما بعد الصدمة النفسية:
1. إعادة وتكرار للحدث:
إن المصابة بالصدمة النفسية تعاني من إعادة وتكرار لمشهد الحدث الصادم بأشكال مختلفة، كاستذكار صور وأفكار متعلقة بالحدث، كوابيس متكررة، الشعور او التصرف وكأن الحدث يتكرر مرة أخرى، أي تعيش المصابة الحدث من جديد، أو تواجه أزمة نفسية شديدة وتفاعلا جسديا عند تعرضها لعلامات أو إشارات تذكرها بالحدث الصادم، فمثلا اذا تم الاعتداء الجنسي عليها في يوم ماطر وبارد، قد تنفعل الفتاة وتسترجع الحدث في ايامات ماطره وباردة اخرى، او عند اقتراب الشاب لخطيبته التي تعرضت لاعتداء جنسي فانها قد تنفر وتبتعد. عادة تكون الاستجابات الجسدية مبالغا بها مثل التعرق الزائد او زيادة ضغط الدم او نبض القلب والتوتر الشديد، وهو ما يسمى بالهلع (panic attack)
2. الامتناع وتجنب الأمور والمحفزات المرتبطة بالصدمة النفسية (ثلاثة أو أكثر من العوارض التالية):
ا. تجنب الأفكار، المحادثات أو المشاعر المتصلة بالصدمة، وكذلك. الأماكن والفعاليات والأشخاص الذي يذكّرون المصابة بها.
ب. فقدان الاهتمام بالفعاليات التي كانت تعتبرها المصابة مسلية.
ت. الشعور بالغربة والنفور من الآخرين.
ث. صعوبة في الاحساس والتعبير عن عاطفة ايجابية كالسعادة والحب.
ج. انعدام الرغبة في التعامل مع المستقبل او الحديث عنه.
ح. الانفصال عن تفاصيل الحدث ونسيان أجزاء منه (الانسلاخ- Dissociative)
عوارض مفرطة (اثنان او اكثر من العوارض التالية):
أ. مشاكل في النوم.
ب. ضيق الصدر ونوبات غضب.
ت. صعوبة في التركيز والدراسة.
ث. شعور دائم بالتأهب والاستنفار.
جـ. رد فعل مبالغ فيه على الضوضاء العالية والحركات المفاجئة.
ان العامل الزمني مهم لتشخيص ما إذا كان الفرد يعاني من عوارض ما بعد الصدمة (PTSD)، ويحدد ال DSM المدة الزمنية القصوى، ففي حال ظهور العوارض اعلاه لفترة لا تزيد عن ثلاثة أشهر يتم تشخيص المريض بانه يعاني من صدمة نفسية شديدة ، وفي حال استمرار العوارض لأكثر من ثلاثة اشهر تعتبر الصدمة مزمنة (Chronic). أما في حال ظهور العوارض بعد ستة اشهر او اكثر من الركود يسمى هذا النوع بالشكل المتأخر للصدمة، وهذه الحالة شائعة في حالات الاغتصاب المتكررة كسفاح القربى.
الصدمة النفسية الناتجة عن الاعتداء الجنسي:
تشير الأبحاث والدراسات إلى أن الاضطرابات النفسية واحتمال تعرض الفرد لعوارض ما بعد الصدمة تكون حادة ودائمة أكثر إذا كان مسبب الحدث الصادم هو الإنسان، كالاغتصاب أو التعذيب، مقارنة بالكوارث الطبيعية كالزلزال، كما وتكون الصدمة اكبر في حالة حدوثها في مجتمعات نامية.3
إن الاعتداءات الجنسية هي جرائم عنف يستعمل خلالها المعتدي سلوكه الجنسي كوسيلة لفرض سيطرته وتسلطه على الضحية دون اخذ موافقتها. ويشمل السلوك الجنسي تصرفات مختلفة كاستعمال الكلمات والتعليقات الجنسية، عرض الأعضاء الجنسية، استراق النظر، الملاحقة الجنسية او اللمس، محاولة الاغتصاب او الأغتصاب. تشير إحصائيات جمعية السوار وجمعيات اخرى تعنى بقضايا العنف الجنسي إلى أن غالبية الاعتداءات هي من قبل أشخاص معروفين للضحية، قد يكون احد افراد العائلة او اي رجل اخر قد تلتقي به في الحيز العام (المدرسة، الحي، اماكن العمل ...).
يفوق ضرر الصدمة النفسية الناتجة عن تحرش أحد الأقارب بكثير الضرر الذي يحدث من الغرباء، كونه يأتي ممن يتوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة، لذلك فحين يحدث تهتز معه الكثير من الثوابت وتنهار الكثير من الدعائم الأسرية والاجتماعية وتضع الضحية في حالة حيرة واضطراب، وقد يؤدي ذلك إلى الموت المؤقت للعاطفة والشعور كوسيلة دفاعية يلجأ إليها الأشخاص لاستعادة السلام الداخلي، ولكنها وسيلة سلبية ومدمرة لأنها تقتل معنى الحياة والأمل.
تشير الأبحاث إلى الأهمية القصوى للبيئة الداعمة والمساندة في مساعدة الفرد للتأقلم مع الحدث الصادم، وعند نظرنا الى مجتمعنا المحافظ نرى ان الموروث الثقافي وبنية المجتمع لا يشكلان عاملَين داعمين للفتاه التي تتعرض للاعتداء الجنسي، بل قد يزيدان الوضع صعوبة أو قد يزيدان من شدة الصدمة، فبناء على الثقافة السائدة في المجتمع قد تذنَّب المرأة ويبرَّر سلوك المعتدي، وهذا يزيد من تفاقم الاضطرابات وتحويلها الى أمراض مزمنة وقد تظهر عوارض ثانوية اخرى تترافق مع العوارض الأولية كالاكتئاب والقلق المزمن.
إن محاولة الضحية الحفاظ على سر الاعتداء يزيد من تفاقم العوارض وتذويتها، وقد تظهر حالة من التفكك في التفكير او الشخصية او ما يسمى بالانسلاخ (Dissociative Disorder ( وهو عبارة عن نسيان اجزاء هامّة من الحدث او الشعور بالانسلاخ عن الذات، شعور بان "هذه لست أنا حقاً". وباختصار فهو تشوش في الذاكرة والوعي الذاتي والشعور بالمكان والزمان. وتشير الأبحاث إلى أن الانسلاخ يعتبر وسيلة دفاعية شائعة لدى الأطفال الذين تعرضوا لصدمة نفسية، تهدف إلى الحفاظ عليهم من هول الصدمة، فالطفل الذي يتعرض لاعتداء جنسي متكرر لا توجد امامة الكثير من الحلول، فهو لا يستطيع الهروب ولا يملك بيئة داعمة (في حال حصل الاعتداء داخل العائلة وهي الحالة الشائعه) وليس بمقدوره تغيير الظروف، وبالتالي لا توجد امامة وسائل دفاعية كثيرة يستطيع من خلالها الهروب من التجربة الصادمة والابتعاد عنها سوى الانسلاخ اما بفقدان أجزاء من الذاكرة، او الانفصام في الشخصية والابتعاد عن الذات. وهذه العوارض تنمو مع الطفلة وترافقها عوارض الصدمة النفسية في كتير من الاحيان.
من المهم التمييز بين نوعين من الصدمة النفسية: النوع الأول هو الصدمة النفسية الناتجة عن حدث واحد (حادث طرق، اغتصاب لمرة واحدة...) والثانية هي الناتجة عن حدث متكرر لأشهر أو سنوات كالحروب أو الاعتداء المتكرر، هنالك اختلاف حاد بين النوعين من حيث تأثيره على الضحية ونوعية العلاج النفسي الملائم، قد نتطرق إليه في دراسات أخرى.
إن ردود فعل الفرد للصدمة النفسية بعوارضها الرئيسية والثانوية واحتمال التكيف والتعامل معها، مرتبطان كما أشرنا بالبنية النفسية للفرد، ولكن أيضا بالمجتمع المحيط، ونحن نرى أن غياب مجتمع داعم للمرأة وغياب بيئة عادلة تعاقب المجرم، تجعل معالجة الصدمة النفسية امرأ عسيرا جدا، ونحن إذ نعتبر الجمعيات النسوية والنسائية التي تعنى بحالات العنف، وبالتربية للجنسانية، أسسا وركائز داعمة للضحايا لا تذنب الضحية ولا تشرعن وتبرر الاعتداء، وتشكل عاملاً هاماً في التقليل من الأعراض النفسية الناجمة عنه، وتسعى في محاولة جريئة لبناء مجتمع صالح ومعافى من "الأعراض" الذكورية والبطريركية، فإننا في نفس الوقت نشير إلى أهمية وجود تربية جنسية صحيّة لابنائنا وبناتنا ولاسيما في المدارس، تربية حساسة للأبعاد الجنسوية في التربية أي التمييز الاجتماعي بين الطفلة والطفل وتناهض هذا التمييز، وكذلك نشير إلى أهمية وجود كوادر مؤهلة للتربية الجنسية في مدارسنا.
______________________________
مراجع
1) موقع المركز الإسرائيلي لعلاج الصدمة النفسية http://www.traumaweb.org/ DSM
2) (Diagnostic and statistical manual of mental disorders), fourth edition. 2002. American Psychiatric Association.
3) Postdisaster PTSD over four waves of a Panel Study of Mexico`s 1999 Flood. Journal of Traumatic stress, Vol.17.No.4. August 2004.