مقالات
بين القانون والانتهاك: فحوص العذرية كأداة للتمييز ضد النساء
2024-11-10إذا تم إخباركم بأن امرأة تم قتلها على يد رجل مهووس بها لرفضها له، ليس من المفترض أن أول ما يطرأ في الذهن هو التشكيك في "شرفها"، أو أن تكون ردود فعل السلطات المسؤولة عن التحقيق هي إجراء فحص عذرية لها وتسريب نتيجته للصحافة غير الأخلاقية لإثبات شرفها للعامة. ولكن للأسف، هذا هو الواقع الذي حدث في قضية نيرة أشرف، المرأة المصرية التي قُتلت في وضح النهار أمام أعين المارة. لم يرحمها المجتمع أو القانون حتى بعد مقتلها، بل زادوا من معاناتها واهتموا بتفاصيل غير ذات صلة بدلًا من التركيز على تحقيق العدالة ومحاكمة الجاني، إذ أُجري لها فحص للتأكد من عذريتها بعد مقتلها، وظهر تقرير الفحص للرأي العام.
تظل فكرة العذرية وغشاء البكارة في مجتمعاتنا العربية خرافة مضللة تستخدم للضغط على النساء والفتيات، مما يؤدي إلى ممارسات غير قانونية وانتهاكات لحقوقهن.
لكن ما هو غشاء البكارة حقًا؟ وهل يمكننا الاعتماد عليه كمؤشر على العذرية؟ وما هي الحقائق القانونية وراء هذا المفهوم؟ في هذا المقال، سوف نقوم بتوضيح الخرافات الشائعة حول هذا المفهوم، ونلقي نظرة على الأبعاد القانونية والأخلاقية المتعلقة بفحوص العذرية.
علميًا، ما هو الغشاء؟
بشكل مبدئي لا يوجد طبيًا أو علميًا ما يسمى بغشاء البكارة، لأنه لا يوجد في أجسادنا ما يستدل به على البكارة أي العذرية، اسمه العلمي الصحيح غشاء المهبل.
عند ولادة الطفلة، يكون لديها غشاء عبارة عن طبقة من نسيج مخاطي رقيق يحيط بفتحة المهبل أو يغطيها بشكل جزئي، لكن هنالك العديد من الفتيات ولدن بدون غشاء مهبلي من الأساس!
ترسخ في منطقتنا العربية مفهوم بارتباط الغشاء بالعذرية، وفي الواقع هذه مجرد خرافة! فالعذرية مرتبطة فقط بالممارسات الجنسية، أما الغشاء فمن الممكن أن يتأثر بعوامل عدة بعيدًا عن الممارسات الجنسية، على سبيل المثال لا الحصر: عوامل التقدم في العمر، أو التغيرات الجسدية أثناء البلوغ.
لا توجد معلومات طبية مؤكدة حول فائدة غشاء البكارة في أجساد النساء. هناك بعض الآراء الطبية التي ترجح أنه قد يساهم في منع البكتيريا أو الأجسام الغريبة من الدخول إلى المهبل خلال الطفولة. ومع البلوغ، تتغير تركيبته ومرونته مما يجعله أكثر عرضة للتغير أو التمزق.
هل يوجد فحص طبي يمكن أن يحدد وجود الغشاء من عدمه أو ربطه بممارسة جنسية سابقة؟
في الواقع لا يوجد، حيث نفت ذلك منظمة الصحة العالمية بل وطالبت بإنهاء تلك الفحوص بسبب عدم وجود أي خلفية علمية تدعمها وأيضًا اعتبرتها انتهاكًا لحقوق النساء.
لكن ماذا عن القانون؟
في القانون المصري، لا يوجد نص قانوني يعرف غشاء البكارة أو يربطه بالشرف، ولكن الممارسات الفعلية تعكس واقعًا مختلفًا. في الحالات الجنائية، تجري فحوص العذرية لتحديد ما إذا كان هناك أي تمزقات أو علامات تشير إلى حدوث اعتداء جنسي. يتم الفحص بواسطة أطباء شرعيين كجزء من جمع الأدلة الجنائية، ويتضمن فحص الأعضاء التناسلية للضحية للتحقق من وجود تمزقات أو علامات اعتداء أخرى، مما يساعد في دعم القضايا الجنائية المتعلقة بالاعتداء الجنسي.
ومع ذلك، تم الخروج عن هذا السياق القانوني المحدد لهذا النوع من الفحوص، وباتت تُستخدم كوسيلة انتقامية ضد النساء أو كسلاح أخلاقي ضدهن. في عام 2011، قضت محكمة إدارية مصرية بأن الفحوص القسرية للعذرية غير قانونية، وذلك في أعقاب قضية رفعتها الناشطة سميرة إبراهيم ضد المجلس العسكري بعد تعرضها لفحص عذرية قسري أثناء احتجازها خلال الاحتجاجات في ميدان التحرير. حكمت المحكمة بأن هذه الفحوص تُعد انتهاكًا للحقوق الدستورية والإنسانية للنساء، وأمرت بوقف هذه الممارسات فورًا.
ولكن تلك الممارسات لم تتوقف بل ظلت تُستخدم في القضايا "الأخلاقية". أحيانًا تأمر النيابة بإجرائها رغم انتفاء الأسباب القانونية الجنائية لذلك، مثلما حدث في حالة مودة الأدهم، وهي إحدى النساء اللاتي تم القبض عليهن بسبب نشاطهن على تيك توك. رفضت مودة ومحاميها هذا الإجراء، مؤكدين أنه ليس له علاقة بسياق القضية.
أصبحت السلطة القضائية، متمثلة في النيابة، تُبرهن على "الشرف" من خلال فحوص العذرية. نرى في جرائم القتل ضد النساء نمطًا من الإصرار على إجراء تلك الفحوص حتى وإن لم يكن هناك اشتباه في جريمة اغتصاب، مثلما حدث في قضية نيرة أشرف، التي قُتلت في وضح النهار أمام جامعتها بالمنصورة على يد رجل كان يريد الزواج منها ورفضته، فانتقم منها. وأيضًا في حالة بسنت خالد، التي أقدمت على الانتحار بسبب الضغوط الناجمة عن الابتزاز والتهديد.
تلتزم مصر بالعديد من المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب وسوء المعاملة، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). تُعتبر الفحوص القسرية للعذرية انتهاكًا لهذه المعاهدات، مما يضع على مصر التزامًا قانونيًا بوقف هذه الممارسات وحماية حقوق النساء.
ممارسات غير طبية على أيدي أطباء
في مجتمعاتنا، تُجبر العديد من النساء والفتيات على إجراء فحوص العذرية بسبب الهوس المجتمعي بغشاء البكارة. في بعض الأحيان، تذهب بعض النساء طواعية لإجراء هذه الفحوص "للاطمئنان" على عذريتهن. استجابة الأطباء لهذه الطلبات تعطي انطباعًا بأنها إجراءات طبية مشروعة، مما يغلفها بشرعية زائفة.
لكن الحقيقة أن لائحة آداب المهنة للأطباء في مصر تحتوي على معايير أخلاقية صارمة. تنص هذه اللائحة على أن أي إجراء طبي يجب أن يكون له ضرورة طبية واضحة. فحوص العذرية، التي تفتقر إلى أي أساس علمي وتعتبر غير ضرورية طبيًا، تتعارض تمامًا مع هذا المبدأ.
بالإضافة إلى ذلك، تحث اللائحة الأطباء على احترام كرامة وحقوق المرضى، وتجنب أي ممارسات قد تسبب ضررًا جسديًا أو نفسيًا دون مبرر طبي. فحوص العذرية القسرية يمكن أن تسبب أضرارًا نفسية كبيرة وتعد انتهاكًا لكرامة المرأة وحقوقها.
كما تشدد اللائحة على أهمية الحفاظ على سرية وخصوصية معلومات المرضى. أي فحص يجري دون ضرورة طبية ويكشف عن تفاصيل خاصة بالمريض يعد انتهاكًا لهذا المبدأ.
أخيرًا، تفرض اللائحة على الأطباء الحصول على موافقة مستنيرة من المرضى قبل إجراء أي فحص أو علاج. يجب أن يكون المرضى على علم تام بطبيعة الفحص والغرض منه، وأن يوافقوا عليه دون أي ضغط أو إكراه. فحوص العذرية غالبًا ما تجري دون موافقة حرة ومستنيرة من النساء المعنيات، مما يجعلها ممارسة غير أخلاقية وغير قانونية.
الدول العربية ليست استثناءً
تمتد تلك الممارسات والاعتقادات الخاطئة في الثقافة العربية، ففي العراق، تجري فحوص العذرية بشكل متكرر بناءً على أوامر قضائية، رغم عدم وجود نصوص قانونية صريحة تفرض هذه الفحوص. ووفقًا لمدير معهد الطب العدلي في بغداد، تجري هذه الفحوص غالبًا بعد اليوم الأول من الزواج عندما يشك الزوج في عذرية زوجته. تُستدعى المرأة بأمر قضائي لإجراء الفحص، وتُرسل النتائج مباشرة إلى المحكمة دون اطلاع الأسرة. وأحيانًا تُستخدم هذه الفحوص لتغطية مشاكل الزوج الصحية مثل ضعف الانتصاب، مما يدفعه لاتهام زوجته زورًا بعدم العذرية.
تجري هذه الفحوص للتحقق من عذرية المرأة قبل الزواج، مما يعكس المعتقدات الثقافية السائدة التي تربط الشرف بعذرية المرأة. في حالة ثبوت أن المرأة ليست عذراء، لا يوجد قانون يحميها من العواقب، ويتوجب على أسرتها تعويض الزوج عن التكاليف والهدايا المرتبطة بالزواج.
أما في الأردن، رغم عدم وجود نصوص قانونية صريحة تفرض إجراء فحوص العذرية، إلا أن هذه الفحوص تجري أحيانًا بناءً على طلب الشرطة أو العائلات، خاصة في القضايا المتعلقة بالنساء المتهمات بمغادرة منازلهن دون إذن أو بممارسة الجنس خارج إطار الزواج.
وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية، يمكن للشرطة أو الحكام المحليين في الأردن استخدام سلطاتهم لاحتجاز النساء وإخضاعهن لفحوص العذرية بناءً على طلبات من العائلات الذكورية. هذه الممارسات تتم استنادًا إلى قانون منع الجريمة لعام 1954، الذي يسمح للحكام الإداريين باحتجاز الأفراد إذا كانوا يُعتبرون خطرًا على المجتمع أو "على وشك ارتكاب جريمة".
في هذا السياق، تُستخدَم فحوص العذرية كأداة للتحقق من عذرية النساء، وهو ما يعكس الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تربط بين شرف الأسرة وعذرية المرأة. تُعتبر هذه الممارسات انتهاكًا لحقوق المرأة وكرامتها، وتؤدي إلى تعريض النساء للعنف والتمييز بدون وجود حماية قانونية واضحة.
بالرغم من عدم وجود قوانين صريحة تفرض إجراء فحوص العذرية في الأردن، إلا أن الممارسات الاجتماعية والثقافية، المدعومة باستخدام سلطات قانون منع الجريمة لعام 1954، تؤدي إلى حدوث هذه الفحوص بشكل متكرر بناءً على طلب الشرطة أو العائلات، مما يعكس التحديات التي تواجهها النساء في المجتمع الأردني.
فحوص العذرية في الدول العربية تكشف عن تناقضات كبيرة بين القوانين المكتوبة والممارسات الفعلية. في مصر والأردن والعراق، تجري هذه الفحوص القسرية تحت غطاء قانوني زائف، مما يعكس الضغوط الاجتماعية والثقافية التي تربط شرف الأسرة بعذرية المرأة. هذه الممارسات تُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق النساء وكرامتهن، وتُستخدم كأداة للسيطرة على أجسادهن وسلوكهن، مما يعزز ثقافة العنف والتمييز. في عام 2021 وحده في مصر، تم تسجيل ما يقارب من 214 جريمة قتل ضد نساء وفتيات نتيجة للعنف الأسري والشك في السلوك الجنسي للضحايا.
تتحمل الحكومات مسؤولية كبيرة في استمرار هذه الممارسات، إذ إنها تجري تحت غطاء قانوني أو بتواطؤ السلطات. يتعين على الدول وضع قوانين واضحة وصارمة تحظر فحوص العذرية القسرية وتضمن حماية حقوق النساء، مدعومة بعقوبات صارمة ضد من يمارس هذه الفحوص.
إلى جانب ذلك، ينبغي تعزيز دعم منظمات حقوق الإنسان التي تعمل على مناهضة هذه الممارسات، وتقديم المساندة القانونية والنفسية للضحايا. تلعب هذه المنظمات دورًا حاسمًا في توفير الدعم والمساعدة للنساء المتضررات.
من الضروري أيضًا نشر الوعي حول الأضرار النفسية والجسدية لهذه الفحوص، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالشرف والعذرية. يجب أن تُنفذ حملات تعليمية وإعلامية قوية لتغيير النظرة المجتمعية نحو المرأة وعذريتها.
لا يمكن تحقيق مجتمع عادل يحترم حقوق النساء وكرامتهن دون مواجهة هذه الممارسات القمعية. يجب اتخاذ موقف قوي وواضح ضد فحوص العذرية، والعمل على تحقيق تغيير جذري في القوانين والثقافة المجتمعية. بناء مجتمع أكثر عدالة واحترامًا يتطلب جهدًا مشتركًا والتزامًا حقيقيًا بحماية حقوق النساء وتعزيز كرامتهن بعيدًا عن أي شكل من أشكال العنف أو التمييز.