لم نتوقع وصرنا حذرين.. الرجال أيضًا يتعرضون للتحرش

لم نتوقع وصرنا حذرين.. الرجال أيضًا يتعرضون للتحرش

2024-11-10

بقلم : رنا ناصر

"كانت صدمة، مشيت بعدها 10 دقائق حتى أصل للطريق العمومي، وأجد مواصلة أعود بها إلى بلدي، جاءت عربة المواصلات لكني لم أستقلها، وبقيت جالسًا تحت مظلة، ولم أستطع أن أتمالك أعصابي".

 

هذا ما أنهى به وائل، 27 سنة، محاسب، من المنيا حديثه معنا عن الحادث الذي تعرض له منذ خمس سنوات. في ذلك الوقت كان يعمل مندوبًا للشحن، ويتنقل بين المحافظات سفرًا لايصال الطرود.

 

يقول: "كنت مسافرًا لمحافظة في أول الصعيد، وعندما وصلت، استقللت أتوبيسًا حتى أصل إلى عنوان العميل، وبدأت أسأل الرُكاب من حولي عن العنوان، فقال لي رجل في أواخر الثلاثينيات أنه يعرف العنوان جيدًا. وأثناء حديثنا توقف السائق فجأة، فإذا بهذا الرجل يميل عليَّ وتلمس يده جزءًا حساسًا من جسدي، لكنه اعتذر لي، فقلتُ ربما لم يقصد لأن الأتوبيس كان مزدحمًا، نزلنا من الأتوبيس وأوصلني الرجل إلى بيت العميل، وظل معي حتى سلمت الطرد. بعدها عرَض عليَّ أن أصعد معه لأتناول مشروبًا باردًا وأغسل وجهي، لأن الطقس حار والمكان بعيد عن منزلي".

 

لم ير وائل، صغير السن وقليل الخبرة، مشكلة في عرض الرجل، ووافق على الذهاب إلى منزله.

 

"دخلت الشقة وذهبت إلى الحمام غسلتُ وجهي، وعندما خرجت من الحمام وجدت الرجل يقف أمامي عاريًا تمامًا ويعطيني ظهره بينما يُعد كوب العصير، ثم أدار وجهه لي واقترب مني ووضع يده على كتفي فما كان مني سوى أن صدمته بكوب العصير في وجهه".

 

انزعج وائل من الموقف لدرجة أنه هدد الرجل قائلًا: "لو ما قعدتش مكانك لحد ما أخرج هربطك لحد ما يبان لك صاحب"، وبالفعل خاف الرجل من تهديد وائل وتركه يرحل.

 

ربما تكون نسبة التحرش بالنساء أعلى كثيرًا من التحرش بالرجال، ولكن الرجال يتعرضون للتحرش أيضًا، يحدث في العديد من بلدان العالم، ومع رجال من أعمار مختلفة، وقد يكون الأمر صادمًا لأن الكثير من الرجال يعتبرونه أمرًا غير متوقع، خاصة إذا كان المتحرش رجلًا.

 

التحرش ظاهرة سلبية موجودة في جميع أنحاء العالم العربي، ووفقًا للإحصائيات تتصدر مصر نسب التحرش في العالم العربي، إذ تتعرض 90% من النساء في مصر للتحرش، ونسبة التحرش بالرجال في مصر أيضًا هي الأعلى في العالم العربي، متساوية مع السودان، إذ تبلغ 27%.

 

 

كيف تؤثر وقائع التحرش على الرجال؟


 

يذكر عمر (اسم مستعار)، 31 سنة، أول مرة تعرض فيها للتحرش، وكيف شعر بصدمة كبيرة لأن الرجل كان في عمر والده: "كنتُ طالبًا في الجامعة، في هذا اليوم كنت أستقل الميكروباص المتجه للجامعة عندما صعد رجل كبير في السن إليه فمددت له يدي حتى يستطيع الصعود، فصعد وجلس خلفي ثم طلب مني أن أجلس إلى جانبه، وأخذ يحدثني عن أبنائه الذين لا يسألون عنه، وطلب رقم هاتفي حتى يحدثني عندما يشعر بالضيق ونتحدث سويًا، وفي مثل هذا اليوم هاتفني ليلًا ولم يحكِ شيئًا. ولكني استمعت إلى تأوهات، وكنت أسأله إن كان بخير. ظلت تأوهاته كما هي. في اليوم التالي حكيت لصديق لي ما حدث، وتوقع صديقي سبب التأوهات".

 

التحرش بالرجال

 

وحكى عمر موقفًا آخر تعرض له وهو في سن الثالثة والعشرين في ميدان التحرير، الساعة 12 صباحًا، عندما كان ينتظر أتوبيس نقل عام. مر عليه رجل متقدم في السن وسأله إذا كان ينتظر أحدًا فأخبره أنه ينتظر أتوبيس نقل عام، فقال له الرجل أن مواعيد الاتوبيسات تنتهي الساعة الحادية عشرة والنصف، وأن لديه سيارة، ويمكنه أن يصطحبه معه، فرفض وشكره، فألح عليه الرجل، ووضع يده على ظهره، هنا نهره عمر بشدة كي يتوقف.

 

قال عمر: "كانت هذه المرة الأولى التي يلمسني أحدهم فيها بهذه الطريقة، شعرتُ بكهرباء تسري في جسدي، وأن عقلي يعطي الكثير من الإشارات في الوقت نفسه دون أن أستطيع تنفيذ واحدة منها".

 

كان لهذين الموقفين تأثيرهما على عمر فأصبح يشك بسهولة في أي تصرف لطيف من أي شخص آخر، وأصبح يركز في تصرفاته فيخشى أن يتصرف بطريقة تثير ريبة أحد، إذ أصبح يحتاط من التلامس المقرب مع الرجال.

 

اكتسب طارق، 37 سنة، مدير مبيعات بالقاهرة، هذا الحرص أيضًا بسبب واقعة تحرش تعرض لها، فأثناء عمله في أحد المولات التجارية من قبل كمدير للمبيعات احتك ببعض العملاء الرجال وكان من بينهم من تحرش به، فحكى عن عميل لمس يده من قبل عن قصد وهو يساعده في شراء سماعة يحتاج إليها، بل وطلب العميل رقم هاتفه الشخصي لكن طارق رفض بحجة أن العمل يمنع تبادل أرقام الهواتف بين العاملين في المكان وعملاء المكان.

 

جعله الموقف يسعى للحفاظ على مساحة شخصية آمنة أكثر، خاصة في مكان عمله، لأن الأمر كان متكررًا من أشخاص ينتمون لطبقات اجتماعية مختلفة. أضاف طارق قائلًا: "أرى أن هؤلاء أشخاص لديهم مشكلات نفسية؛ لأنهم لا يستطيعون التحكم في غرائزهم بهذه الصورة".

 

الشعور بالاحتياط الذي يصاحب عمر وطارق الآن ما هو إلا خوف من أن يُلدغا مرةً أخرى في موقف مماثل. يشبه الأمر ما يحدث مع النساء يوميًا، فالمرأة التي تتعرض للتحرش أكثر من مرة، تحتاط كثيرًا حين تسير في الشارع، أو حين تتوجه إلى مكان العمل، أو حتى وسط الأقارب. قد يكون تعرض الرجال للتحرش أقل بنسبة كبيرة من النساء، ولكن وقعه عليهم يظل بشعًا أيضًا.

 

التحرش في سن صغيرة


 

يوسف (اسم مستعار) 24 سنة، طالب بكلية هندسة، حدث له اعتداء أكثر من مرة حينما كان عمره بين السابعة والتاسعة، من قريب أمه المراهق الذي كان لا يتعدى عمره وقتها 15 عامًا، وذلك عندما كانت تجتمع العائلة عند منزل جده.

 

التحرش بالرجال

 

يقول يوسف عن هذه الذكرى: "لا أتذكر كم كان عمري حينذاك بالضبط، وكأن عقلي يريد إلغاء هذه الذكرى تمامًا مما أدى إلى التشويش على هذه المعلومة".

 

لم يخبر يوسف أهله قط بما حدث، رغم أنه كان يدرك أن شيئًا خاطئًا يجري، ولكن يفسر ذلك قائلًا: "كنت أخشى بعد أن أخبرهم أن يصاحبهم شعور بالذنب تجاهي، وأنا أعلم جيدًا أن أهلى لم يقصروا في الاعتناء بي، لكنهم كانوا (طيبين) لدرجة أنهم لا يتوقعون أن يحدث هذا لابنهم".

 

نشأ يوسف في قرية صغيرة نشأة دينية جعلته يفكر أن ما مر به ليس سوى ابتلاء وعليه أن يتخلص من آثاره. وكان يضع على عاتقه مسؤولية ألا يصبح شخصًا سيئًا مثل الشخص الذي أذاه، والذي كان يشك في أنه تعرض للتحرش من قبل.

 

عرف يوسف فيما بعد أن أكثر من شخص حوله تعرض لما تعرض له في محيط سكن جده، وكان المعتدون مختلفين. وأنهى حديثه قائلًا "المهم أني بعدما كبرتُ ووعيت الأمر، لم أتعامل مع جسدي يومًا على أنه عار، ورغم أني لم يكن لدي رفاهية الذهاب لطبيب نفسي لمساعدتي لكني أشعر الآن أني تخطيت الأمر تمامًا بمجهود شخصي بذلته مع نفسي".

 

ربما يسهل أن يتعرض الإنسان لهذا النوع من الانتهاكات في سن صغيرة، فعندما نكون صغارًا لا يكون لدينا الوعي الكافي لفهم الموقف وحماية أنفسنا، بالإضافة إلى أن الكثير من الأهالي يغيب عنهم هذا الوعي، خاصة إذا كان الطفل ذكرًا، بالإضافة إلى أنهم لا يظنون أن هذا يحدث وسط دائرة الأهل الآمنة.

 

لذا لا بد من الاهتمام أكثر بتوعية الأطفال الذكور منهم مثل الإناث تمامًا، حتى لا تنشأ مفاهيم خاطئة داخل عقل الطفل فيما يخص علاقته بجسده، وفيما يخص تعريفه للعلاقة الجنسية عندما يكبر.

 

كذلك لا بد من اهتمام الأهل بإعطاء الطفل المعلومة الجنسية المناسبة لكل مرحلة عمرية يمر بها، حتى تتكون لديه صورة واضحة عن الجنس، فيكون الأهل هم المصدر الأول والموثوق فيه الذي يلجأ إليه الطفل إذا أراد أن يعرف معلومة بعينها فلا يلجأ أن يعرفها من الخارج، فيعرضه ذلك للحصول على معلومة غير صحيحة قد تضر به.

 

كما أنه لا بد أن تكون هناك دائمًا برامج مجتمعية وكذلك مساهمات من قبل وسائل الإعلام المختلفة لمساعدة الأهالي والأبناء معًا إلى جانب إسهامات المؤسسات التربوية في ذلك، سواء كان ذلك بنصائح للتوعية أو للمساعدة في حالة أن الطفل قد تعرض للتحرش بالفعل.

 

التحرش بالرجال

 

وقد يمتنع بعض الرجال الذين تعرضوا للتحرش عن الحديث عن الأمر أو تلقي المساعدة بسبب نظرة مجتمعاتنا للعملية الجنسية، إذ يعتقد الكثيرون أن ممارسة الجنس قائمة على أن يكون الرجل هو الفاعل والمرأة هي المتلقي، لذلك يخجل الرجل من الحديث عن أنه تعرض لتجاوز جنسي، لأنه من المفترض أن يكون الرجل مبادرًا دائمًا.

 

في تقرير نشرته صحيفة الكونفدنسيال elconfidencial الإسبانية، يقول عالم النفس دان بايتس "إن الرجال لا يلجأون لطلب المساعدة لأنهم لا يؤمنون بقدرتهم على فعل ذلك أو أن لهم الحق في ذلك، فعادة ما يخلطون بين طلب المساعدة والضعف، وأن ذلك لا يحدث بقرار واعٍ منهم، لكن هذا ما تربوا عليه".

 

يتربى الذكور في مجتمعاتنا على هذه النظرة في كل مفاهيم الحياة المختلفة ليس فيما يخص العملية الجنسية وحدها، مما يُشعر الرجل أن له الأفضلية على الجنس الآخر دائمًا، وأي وضع قد يوضع فيه الرجل محل المرأة يُشعره بالإهانة.

 

عن ذلك تقول المعالجة النفسية شيماء العيسوي: "قد تؤثر واقعة التحرش على الرجل في نظرته لنفسه، فكيف له كشخص مكتمل الرجولة أن يتعرض للانتهاك من رجل آخر. قد يجعله الموقف يرى نفسه رجلًا ضعيفًا، خاصة إذا لم يتخذ رد فعل أثناء الواقعة".

 

وتضيف العيسوي: "أما لو كانت واقعة التحرش حدثت في سن صغيرة فتأثيرها يختلف، فجزء مما يتعرض له بعض الضحايا قد يخرج في سلوك عدواني بأشكال كثيرة، مثل أن يصبح هذا الطفل عنيفًا مع الحيوانات أو عنيفًا مع زوجته حين يكبر، وصورة أخرى من صور العدوانية أن يصبح متحرشًا، لكن هذا ليس بالضرورة. أو قد ينعكس الأمر ويصبح بعض الضحايا ضعفاء الشخصية ومنسحبين".

 

ويؤكد الطبيب النفسي أحمد عزت على ما قالته العيسوي قائلًا: "الرجل مثل المرأة، قد يُصاب بالاكتئاب أو القلق. وتحدث له صدمة جراء واقعة التحرش لذا من الصعب عليه أن يعبر عما حدث كما يزيد عليه عبء إضافي وهي تصورات المجتمعات الشرقية عن الرجل والذكورة مما يجعل صورته كرجل تهتز في داخله".

 

لا بد من القول أن التحرش جريمة لا يجب أن تتحمل الضحية تبعاتها أو تُلام عليها بأي صورة لا من قريب أو من بعيد، فالضحية ستظل ضحية لأي فعل دنيء، مع الأخذ في الاعتبار إبعاد النظر تمامًا عن إذا كانت الضحية رجل أو امرأة.

مقالات شبيهة