مقتطفات من كتاب
(1971)
تقديم
لا زلت أذكر هذه الفتاة رغم مرور عشر سنوات أو أكثر على اليوم الذي رأيتها فيه. كنت طبيبة ناشئة ولي عيادة في ميدان الجيزة وما أكثر ما يرى الطبيب في عيادته بشرط أن يجتاز بتفكيره وإحساسه حدود مهنة الطب التقليديّة، وأن يتخلّص بفطرته القويّة من آثار الأسلوب الضحل الذي درسنا به الطب، والذي يفقد المريض إنسانيّته ووحدته، ويجزئه إلى أعضاء غير مترابطة، معزولة عن النفس، منفصلة عن المجتمع.
كنت في ذلك اليوم أفكّر في غلق العيادة، فقد آمنت بعد خمسة عشر عاما أنفقتها في دراسة الطب وممارسته داخل الوطن وخارجه أنّ أكثريّة المرضى ليسوا مرضى وإنّما تدفعهم ظروفهم الاجتماعيّة السيّئة إلى الإحساس الدائم بالمرضى، وأن معظم الحالات المرضيّة فعلا تشفى وحدها بقوة الطبيعة وإرادة الإنسان في الحياة.
في ذلك اليوم كنت أجلس أصمّم بيني وبين نفسي على غلق عيادتي الطبّية حين دخلت هذه الفتاة. شدّتني إلى عينيها نظرة غريبة مذعورة تبحث بلهفة في عيني عن النجدة، وبمرور السنين نسيت ملامح الفتاة تمامًا لكن هذه النظرة في عينيها انحفرت في ذهني وأصبحت جزءًا منّي.
لم تكن وحدها. كان معها رجل قال بصوت غليظ منفعل:
- أرجو يا دكتورة أن تفحصيها.
ووجهت سؤالي إلى الفتاة قائلة: "بما تشكين؟" ولكنها أطرقت ولم ترد. وقال الرجل بصوت أكثر غلاظه وانفعال أشد: تزوجنا بالأمس واكتشفت أنّها ليست عذراء.
وسألته: وكيف اكتشفت ذلك؟
وقال بغضب: هذا شيء معروف لم أر دمًا أحمر!
وحاولت الفتاة أن تفتح فمها لتقول شيئا. لكنه قاطعها قائلا:
إنها تدعي أنها بريئة ولهذا جئت بها إليك لتفحصيها.
واتضح لي بعد الفحص أن الزوجة تملك غشاء البكارة وأنّه سليم تمامًا، ولكنه من ذلك الذي يسمّى في الطب بالنوع "المطاط" يتسع ويضيق بمرونة دون أن يتمزّق ودون أن يسيل منه قطرة دم واحدة.
وشرحت الأمر للزوج بدقّة، وكان رجلا متعلمًا سافر إلى الخارج في بعثة. وخيّل إلي أنّه اقتنع، وتنهدت العروس كأنّها تتنفّس لأوّل مرّة بعد طول اختناق.
لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة. بعد أيّام قليلة جاءتني الفتاة وحدها. لم يكن وجهها هو وجه فتاة الثامنة عشر التي رأيتها منذ أيام وإنّما وجه امرأة عجوز شاخت قبل الأوان ورسم الحزن الألم على وجهها تعبيرًا غريبًا أشبه بوجوه الموتى التي رأيتها كثيرًا في ظل مهنة الطّب.
وقالت بصوت مشروخ: طلّقني وكادت تكون فضيحة لولا أنّ أبي تكتّم الأمر.
وسألتها: وهل يفهم أبوك؟
وهزّت رأسها بالنفي وكست عينيها الذابلتين سحابة أوحت بدموع سالت وجفت حتّى نضجت تمامًا.
وقالت: لا أحد يعرف براءتي إلا أنت يا دكتورة. وأنا الآن أعيش في خوف من انتقام أبي وأخي.
ذهبت معها إلى أبيها وشرحت له الأمر. قلت له أن ابنته عذراء، وأنّ غشاء البكارة من النوع المطاط الذي لا يتمزّق إلا عند ولادة أوّل طفل. ودهش الأب حين سمع هذه الحقيقة العلميّة وضرب كفًا بكف وقال في غضب: هذا يعني أنّ ابنتي قد ظلمت.
قلت: نعم.
قال: ومن المسؤول عن هذا الظلم؟
قلت: أنتم... زوجها وأهلها!
قال بغضب: بل أنتم المسؤولون يا أطباء! لأنّكم تعرفون هذه الحقائق وتخفونها عن الناس، ولولا هذه الحادثة التي حدثت لابنتي بالصدفة لما عرفت شيئًا. لماذا لا تشرحون هذه الأمور لكل الناس.
إنّه واجبكم الأوّل حتّى لا تظلم مثل هؤلاء الفتيات البريئات!
وصمّمت يومها على أن أعود إلى مكتبي وأكتب شيئًا في هذا الموضوع لكنّي رأيت أنّ الأمر يحتاج إلى علاج متعدّد النواحي، فليس هو موضوع طبّي فحسب، وإنّما هو موضوع اجتماعي واقتصادي وأخلاقي، ولا يمثل فيه الطب إلا جانبًا واحدًا.
ومرّ عام وراء عام وقصص أخرى بمشاكل أخرى تمر أمام عيني، ومآسي عديدة لفتيات ونساء وأطفال راحوا ضحيّة الجهل الشائع والتقاليد السائدة، بعضهم مات موتاً حقيقًا أثناء عمليّة إجهاض أو عمليّة ختان أو ولادة تحت ظروف سيّئة، أو حوادث قتل أو اعتداء لعدم ثبوت دم العذريّة، وبعضهم مات موتًا نفسيًّا واجتماعيًّا بعد مأساة بسبب أو بآخر. وما أكثر الأسباب التي تتعرّض لها المرأة في مجتمعنا لتقتل نفسيًّا وتعيش عمرها في حال تجعل حياتها كالموت بل أنّ الموت قد يكون أرحم في كثير من الأحيان.
وقد ساعدتني أسفاري المتعدّدة لمعظم بلاد العالم أن أحيط بوضع المرأة في مختلف المجتمعات المتقدّمة والمتخلّفة، الرأسماليّة والاشتراكيّة.
واستطعت أيضًا من خلال قراءاتي في العلوم الأخرى غير الطب والتاريخ والأدب أن أتفهّم كيف ولماذا فرضت القيود على المرأة.
هذا وان تجربتي الخاصّة كامرأة تزودني بحقيقة أحاسيس المرأة العميقة، وما أحوج العالم الى معلومات صحيحة عن المرأة، تغيّر المفاهيم الخاطئة التي أشيعت عنها، وتصحّح المعلومات التي راجت عنها في العالم، والتي كانت تكتب في معظم الأحيان بأقلام الرّجال.
ولهذا لم تكن هذه المعلومات تعبيرًا عن حقيقة المرأة، ولكنها كانت وجهة نظر الرجل في المرأة، وما أكبر الفارق بين الحقيقة وبين وجهة النظر.
عن جسم المرأة
لا شك أنّ قضيّة العروس التي قدمت بها الكتاب تفرض على أن أبدأ ببعض المعلومات الطبيّة والتشريحيّة لأعضاء المرأة التناسليّة التي كان نصيبها من الجهل والتجهيل والاضطهاد أكبر من نصيب أي أعضاء أخرى لأي كائن حي ظهر على وجه الأرض.
وإنّ البدء بالتعريف بأعضاء جسم المرأة لا يعني على الإطلاق أنّ الجهل بالتكوين الجسمي للمرأة أكثر شيوعًا أو خطورة من الجهل بتكوينها النفسي أو العقلي. لأنّ العكس هو الصحيح، فالجهل بنفس المرأة وعقلها أشد انتشارًا من الجهل بجسم المرأة.
لقد فرضت الظروف الاجتماعيّة منذ تاريخ بعيد أن تكون المرأة جسدًا فحسب، وساعد ذلك على اندثار نفسها وعقلها في طي النسيان، وجهل الناس بمرور الزمن أنّ المرأة يمكن أن يكون لها نفس وعقل كنفس الرجل وعقله.
وقد قال كينيث ووكر: "إنّ جهل الرّجل بالمرأة لا يعني جهله بجسم المرأة ورغباتها والوظائف الفسيولوجيّة للجنس فحسب، ولكنه يعني أيضًا الجهل بما هو أهم وأخطر. ذلك هو الفهم الإنساني للمرأة كإنسان مثله تمامًا".
لا شك أنّ تلك المحظورات والقيود التي فرضها المجتمع على المرأة وبالذات على أعضائها التناسليّة قد ساعد على تشويه معنى العلاقة الجنسيّة، وارتبطت في الأذهان بالإثم والخطيئة والنجاسة، وغير ذلك من التعبيرات المعيبة، التي جعلت الناس يخشون الحديث عن الجنس، وبالتالي أصبحوا يجهلون عنه وعنها الكثير.
والجهل هنا لا يعني غياب المعلومات، لكن ترويج المعلومات الخاطئة أشد أنواع الجهل. وقد يكون من الأفضل للإنسان أن يواجه الحياة بلا معلومات على الإطلاق على أن يواجهها بمعلومات خاطئة تفسد فطرته وذكاءه الطبيعي.
وقد انتشرت المعلومات الخاطئة عن الجنس والأعضاء الجنسيّة بسبب التكتّم أو السريّة التي تحاط بها شأنها في ذلك شأن الإشاعات التي تروّج في الخفاء ويتهامس بها الناس سرًّا فإذا بالحقائق تسقط من الأفواه حقيقة بعد حقيقة ومن فم إلى فم.
بالرّغم من أنّ جسد المرأة كان أكثر حظًّا من نفسها وعقلها، وأنّه لم يعرض لذلك الإنكار الذي تعرضنا له، إلا أن المجتمع لم يترك جسد المرأة على حالته الطبيعيّة.
إنّ الفكرة التي شاعت خطأ منذ التاريخ البعيد على أنّ الرجل سيد المرأة، وإنّها ليست إلا أداة لإمتاعه ووعاء لأطفاله قد أباحت للمجتمع أن يستأصل من جسد المرأة ما يشاء ويهمل ما يشاء لتصبح المرأة مجرّد الرّحم الذي ينجب الأطفال.
وخيّم الظلام والإهمال على أعضاء المرأة التي لا تلعب دورًا في عمليّة الإنجاب والولادة. بل إنّ بعض هذه الأعضاء كانت تستأصل من جسد المرأة تمامًا، وبالذات تلك الأعضاء التناسليّة الحسّاسة لمتعة الجنس.
وكم من رجل عاش مع امرأة سنوات وسنوات ومارس معها الجنس وأنجب منها عشرات الأطفال ثمّ مات دون أن يعرف أنّ هذه المرأة تحتوي في جسمها على أعضاء تناسليّة أخرى غير المهبل الذي عرفه عن طريق علاقته الجنسيّة بها والرّحم الذي حملت فيه أطفاله، ودون أن يعرف أنّ هذا المهبل وهذا الرّحم الذي حملت فيه أطفاله، أقل أعضاء المرأة التناسليّة إحساسًا بالجنس لأنّ وظيفتها الأساسيّة ليست الجنس وإنّما الحمل والولادة.
ولا شك أنّ "البظر" (عضو المرأة التناسلي الخارجي) هو أكثر أعضاء المرأة حظًا من الجهل والتجاهل والإهمال وفي بعض الأحيان ينظر إليه المجتمع نظرة عداء ويستأصله بالمشرط كما تستأصل الزائدة الدوديّة.
والبظر في جسم المرأة ليس زائدة دوديّة بل أنّه العضو الأساسي الذي عن طريقه تعرف المرأة لذّة الجنس. فالبظر (شأنه شأن عضو التذكير في الرجل) يتميّز بأنّه العضو الوحيد الذي يشتمل على أنسجة قابلة للانتصاب أثناء الإثارة الجنسيّة وعلى أكثر الأعصاب حساسيّة بلذّة الجنس وهو الذي يقود العمليّة الجنسيّة من أولها إلى آخرها، وبدونه لا تصل المرأة إلى قمّة اللذة التي يصاحبها الإنزال وتنتهي به العمليّة الجنسيّة.
ويتشابه البظر مع عضو التذكير عند الرّجل في شكله وتكوينه وشدّة حساسيّته وأهميّة دوره في الجنس. ولا عجب في ذلك ولا غرابة، فأصلهما واحد في الجنسين، والخلايا التي تصنع البظر هي نفسها الخلايا التي تصنع عضو التذكير. لكن الذي يحدث خلال تطوّر الجنين أنّ البظر في الأنثى يتوقّف عن النمو في مرحلة من المراحل وأنّ عضو الذكر يستمر في النمو فترة أطول.
لكن المجتمع وقد قرّر لأسباب اقتصاديّة أن دور المرأة الوحيد في الحياة هو الإنجاب وخدمة الزوج والأولاد فقد رأى حرمان المرأة من اللذة الجنسيّة التي قد تشغلها عن الدور الذي رسمه المجتمع لها.
وقد نتج عن هذا أنّ جهل الرّجل بظر المرأة وتجاهله، ولم يعرف إلا المهبل لأنّه الأداة الوحيدة لإمتاعه. وتصوّر الرّجل بسبب الجهل أنّه مادام يصل هو إلى قمّة اللذة عن طريق المهبل المرأة فلا بدّ أنّ المرأة أيضًا تصل إلى قمّة اللذة عن طريق المهبل. وبسبب الأنانيّة لم يستطع الرّجل أن يكتشف خطأه ويتعرّف على الطريق الذي يمكن أن يصل بالمرأة إلى اللذة.
وتصور بعض الرّجال أنّ عنق الرحم (وهو الجزء السفلي من الرّحم الذي يسد فتحة المهبل العلويّة) هو أكثر أعضاء المرأة إحساسًا بالجنس، ويظنون أنّ عضو الرّجل إذا ما لامس هذا العنق أثناء العمليّة الجنسيّة فإنّ ذلك أكبر مؤشّر من حيث بلوغ المرأة قمّة اللذة. ومن هنا الاعتقاد بأنّ حجم عضو الرّجل عنصر هام في الكفاءة الجنسيّة، وأنّ الرجل الأقوى جنسيًّا هو صاحب العضو الأكبر أو الأطول، لأنّ مثل هذا الطول كفيل بالوصول به إلى عنق الرّحم.
ولا يدري هؤلاء الرجال أنّ حجم العضو لا يدل على الكفاءة الجنسيّة عند الرّجل، وأنّ عنق الرّحم ليس أكثر أعضاء المرأة إحساسًا بالجنس كما يظنون، بل إنّه أقل أعضاء المرأة إحساسًا بالجنس. والدليل على ذلك أن المرأة تصاب بقرحة في عنق الرّحم وتذهب إلى الطبيب فإنّه يعالجها بالكي الكهربائي لعنق الرحم دون أن يعطيها أي مخدّر ودون أن تشعر بأي ألم.
وقد حرمت الطبيعة عنق الرحم من الإحساس حتّى لا تموت المرأة من الألم حين يمر رأس الطفل المولود من فتحة ذلك العنق الضيّق فالمعروف أنّ عنق الرحم والمهبل يصنعان القناة التي يولد منها الطفل، وأنّه لابد لهذين العضوين أن يتمدّدا ويتّسعا ليهبط الطفل بغير ألم، أو بألم بسيط تحتمله الأم الطبيعيّة. لقد خلق الرحم والمهبل ليخدما الولادة وليس الجنس.
لكن الرجل لا يعرف ذلك، ويركّز في علاقته الجنسيّة مع المرأة على المهبل أو عنق الرحم ويتجاهل البظر، وهذا هو أحد الأسباب في أن معظم النساء يتزوجن وينجبن عشرات الأطفال ثمّ يمتن ويدفن قبل أن يعرفن لذّة الجنس أو يصلن مرّة واحدة إلى قمّة اللذة.
ومن ضمن المعلومات الخاطئة أنّ الرجل يتصوّر أنّه الوحيد الذي يقذف حين يصل إلى القمّة اللذة مع أنّ المرأة أيضًا حين تصل إلى هذه القمّة يحدث لها شيئًا مشابهًا يسمّى الإنزال. لكن الرجل لا يدرك ذلك لأنّ المرأة قلّما تصل إلى القمّة معه مهما طالت مدّة العمليّة الجنسيّة. وأحد أسباب ذلك هو جهل الرجل بأعضاء المرأة الحساسة وأهمها البظر.
وفي أبحاث كينزي (1953) وجد أنّ 100% من الذكور يعرفون قمّة اللذة في الجنس قبل بلوغهم سن 17 سنة، على حين أنّ 30% فقط من الإناث يعرفن هذه اللذة قبل الزواج، وأنّ قمّة اللذة في الجنس لا تعرفها النساء حقيقة قبل سن 35 سنة وذلك بسبب الخبرة، أو زيادة كميّة الدّم التي تغذّّي أعضاء المرأة بعد الحمل، أو لتغلب المرأة على عقدها النفسيّة... إلى غير ذلك من الأسباب.
وفي بحث والي (1960) على 540 زوجة وجد أنّ معظم هؤلاء الزوجات لم يعرفن قمّة اللذة (الأورجازم) في علاقتهن مع أزواجهن، وأنّ هذه العلاقة الزوجيّة لم تكن تشبع رغبتهن في الجنس ولكنها كانت ترضيهن نفسيًّا من حيث القرب من الزوج وإرضاؤه وكان هذا الرّضا النفسي يصرفهن عن الرغبة في بلوغ قمّة اللذة في الجنس.
وكذلك وجد سيفرز (1964) في أبحاثه أنّ المرأة لم تكن تنظر إلى بلوغها قمّة اللذة في الجنس كعنصر هام من عناصر أنوثتها، كما أنّه وجد أنّ بلوغ المرأة لقمّة اللذة لم يكن تلقائيًّا بقدر ما كان مصنوعًا أو أمرًا تتدرّب عليه المرأة.
ومن أهم النتائج التي وصل إليها ماسترز وجونسون من أبحاثهما هي ما يأتي:
1- بصرف النظر عن الفروق التشريحيّة فإنّ بلوغ قمّة اللذة في الجنس عند الرجل والمرأة متشابهان من الناحية الفسيولوجية. ففي كلا الجنسين تحدث نفس العمليّات الفسيولوجيّة من حيث ردّ الفعل واستجابة العضلات، واندفاع الدم في الأعضاء حتّى درجة معيّنة، وان قمّة اللذة تحدثها العضلات نفسها في الذكور والإناث.
2- ليس هناك ما يسمّى ببلوغ قمّة اللذة عن طريق المهبل وحده بدون بلوغ قمّة اللذة عن طريق البظر. فإنّ اللذة عن طريق المهبل والبظر تكونان وحدة تشريحيّة واحدة. إن بلوغ قمّة اللذة عمليّة واحدة لا تتغيّر بتغيير شكل الإثارة الجنسيّة أو موضعها.
3- إنّ البظر يلعب دورًا هامًّا وأساسيًّا في بلوغ المرأة قمّة اللذة.
4- إنّ المرأة شديدة الحساسيّة للمؤثّرات النفسيّة، وعليها أن تتخلّص من عقدها النفسيّة وخوفها أو خجلها، فإنّ أي شرود لذهنها يقلّل من درجة انفعالها.
وقد أضاف شيرفي (1966) بعض النتائج الأخرى أهمّها الآتي:
إنّ البظر أكثر أهميّة وأكثر حساسيّة للجنس من الثلث السفلي من المهبل. وعلى هذا فإنّ البظر هو أكبر عضو حسّاس للجنس عند المرأة وليس المهبل. ولهذا فإنّ البحث عن لذّة الجنس من خلال المهبل كنوع من النضج الجنسي والنفسي للمرأة إنّما هو بحث غير طبيعي.
وينقسم المهبل إلى جزأين. الجزء العلوي ويكون ثلثي المهبل وهو جزء غير حسّاس ليس له دور في الجنس أو اللذة الجنسيّة. أمّا الجزء الثاني وهو الثلث السفلي من المهبل فهو حسّاس للجنس ولكنه أقل حساسيّة من الشفرين، وهاتان أقل حساسيّة من البظر.
وتقول د.باردويك إنّ النساء اللاتي يتصوّرن أنهنّ يصلن إلى قمّة اللذة عن طريق المهبل فقط يتجاهلن الإثارة التي تحدث للبظر وهنّ يحاولن بذلك أن يظهرن "نضوجهن الجنسي"- فهناك فكرة نفسيّة خاطئة توهم المرأة أن النضج الجنسي معناه أن يكون المهبل هو مبعث اللذة الجنسيّة، وأن إثارة البظر إنّما هي رغبات الطفولة أو المراهقة وليس المرأة الناضجة.
إنّ اللذة الجنسيّة عند المرأة واحدة، ليس هناك شيء اسمه لذة عن طريق البظر، ولذّة أخرى عن طريق المهبل. فأعضاء المرأة متّصلة اتصالا عضويًّا لا انفصام فيه. لكن هذا الفصل بين لذة البظر ولذة المهبل قد يحدث صناعيًّا بسبب أفكار فرويد ونظريّة التحليل النفسي التي اعتبرت البظر عند المرأة عضوًا ذكريًّا ايجابيًّا وضع خطأ في جسد المرأة السلبي.
وبسبب هذا فقد أصبحت النساء يفضلن الإثارة عن طريق المهبل لأسباب نفسيّة، ويفضلن الإثارة عن طريق البظر لأسباب جنسيّة.
وبهذا التخبّط وعدم الفهم، وبسبب العقد النفسيّة أيضًا واعتبار اللذة الجنسيّة إثم وعيب فإن معظم النساء لا يعرفن شيئًا عن قمّة اللذة وكل ما يعرفنه في الجنس هو تلك اللذة الضعيفة أو الرضا النفسي بسبب إرضاء الرجل.
وتصف د.باردويك ثلاثة أنواع من قمّة اللذة عند المرأة. النوع المنخفض، والنوع المتوسط، والنوع المرتفع. وتقول باردويك إن النوع المرتفع يشبه قمّة اللذة عند الرجل، وتصل إليه المرأة بعد خبرة معيّنة، وبعد أن تتدرّب المرأة على أن تتخلّص من عقدها النفسيّة وخوفها وخجلها وتستجيب إلى اللذة بطريقة طبيعيّة. ولو أنّ المرأة عاشت حياة طبيعيّة خالية من التخويف والعقد منذ الطفولة فإنّها تبلغ قمّة اللذة بسهولة وتلقائيّة كالرجل سواء بسواء.
أن عدم إحساس المرأة بلذة الجنس يسمى علميا باسم البرود الجنسي، وهو أكثر الأمراض الجنسية والنفسية شيوعا بين النساء. ولا اعتقد أن هناك إحصائية علمية صحيحة يمكن أن تدلنا بحال من الأحوال على نسبة إصابة النساء بالبرود الجنسي، وذلك لأنها تجهل الجنس ذاته، وتجهل أنها مصابة بالبرود الجنسي، وتجهل معنى لذة الجنس، أو قمّة هذه اللذة، وتظن أن الجنس ليست له لذة، أو ليست له قمّة. ومن المعروف طبياً أن البرود الجنسي قد يقترن أثناء العملية الجنسية بتهييج مهبلي شديد، بل أن هذا التهييج قد يحدث بدون أي مؤثر مباشر للأعضاء التناسلية للمرأة أثناء العملية والسبب في ذلك إلى إن كثيرا من النساء يعانين من القلق خشية الحصول على قمّة اللذة، وان هذا القلق أقوى من رغبتهن أو إرادتهن في الحصول على اللذة.
وتنعكس عقد الرجل النفسية والجنسية على المرأة وينتج عنها البرود الجنسي. ولعل أهم عقد الرجل النفسية انه يفصل بين الحب والجنس فهو في معظم الأحوال يشتهي المرأة التي لا يحبها، أما المرأة التي يحبها فانه قد يعجز عن الاتصال بها جنسياً أو انه يتصل بها جنسيا بشرط أن تظل هي المحبوبة العذراء العفيفة وبمعنى آخر الباردة جنسياً. وتعتقد الزوجات على هذا النحو أن البرود الجنسي هو صفة الزوجة المحترمة، فإذا بها تتفاخر ببرودها الجنسي. ويصبح الاستمتاع الطبيعي بالجنس إنما هو صفة المومسات والعشيقات فحسب. ويستمتع الكثير من الرجال بهذا الانفصام في شخصياتهم، وتصبح لكل منهم زوجة باردة شبه مهجورة وعشيقة مرغوبة ولكنها محتقرة.
حوار مع د. نوال السعداوي - 11/2009
برنامج أوراق مصرية