الاكتئاب والرغبة الجنسية.. تأثيرات سلبية وحلول مختلفة
تقول إليزابيث وارزيل في كتاب "دولة البروزاك": "أحيانًا يستحوذ عليّ الاكتئاب، لدرجة أنني حينها لا أعرف كيف لا يتوقف العالم ويتعاطف معي".
لا شك أن شبح الحزن خيَّم علينا في وقت من حياتنا، ليس بالضرورة بالدرجة التي تتحدث عنها وارتزيل.
ولكن ليس كل حزن يمكن أن يُشَخَّص اكتئابًا. فالاكتئاب مرض نفسي وليس شعورًا، عندما تكون حزينًا سيتخلل حزنك بعض أوقات الضحك، ويمكنك ممارسة نشاطات عدة، لكن الاكتئاب يفقدك القدرة على الاستمتاع.
يعتبر الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعًا، وهذا المرض يعاني منه 280 مليون شخص في العالم، ويجتاح المنطقة العربية بنسبة مرتفعة تصل إلى 7%.
تصاب النساء بالاكتئاب أكثر من الرجال، هذا ما تقوله منظمة الصحة العالمية، لأن النساء بجانب الأسباب البيولوجية والنفسية يُصبَن بالاكتئاب على مدار حياتهن لأسباب إضافية مثل الدورة الشهرية، وخلال الحمل وبعد الولادة. كذلك فإن الرجال أقل طلبًا للدعم النفسي من النساء.
يؤثر الاكتئاب على روتين الحياة والنشاطات اليومية، وعلى كافة مجالات حياة المصاب/ة به، ولكن من تبعات الاكتئاب التي قد لا يلتفت إليها المريض/ة، تأثيره على الحياة الجنسية.
يمكن أن يُضعِف الاكتئاب الرغبة والحياة الجنسية. ولقد أكدت إحدى الدراسات التي أُجريت على 89 مريضًا نفسيًا على هذه العلاقة بين الاكتئاب والرغبة الجنسية.
يعاني المصابون من الاكتئاب من تناقص الرغبة، ويستغرقون وقتًا أطول للوصول إلى النشوة الجنسية، وقد لا يجدون متعة في العلاقة الجنسية.
لماذا يؤثر الاكتئاب على الرغبة؟
كل شيء يبدأ من المخ؛ فالرغبة الجنسية تتولد في أدمغتنا، وكذلك فإن الرغبة في ممارسة الجنس ترتبط بعدة أمور مثل الحالة الجسدية، والعاطفية، وأيضاً المعتقدات ونمط الحياة، وتتأثر بوجود أزمات في الحياةً بشكل عام، فسوء التواصل وفقدان الثقة بين الشريكين يؤثر على الرغبة.
قد تضعف الرغبة أيضًا بسبب الضغط العصبي، والنظرة الذاتية المشوهة للجسم، أو بسبب حادث عنف جنسي، أو قد تتأثر بالتجارب الجنسية السيئة السابقة، أو بالحالة النفسية السيئة.
ما يفعله بنا الاكتئاب
ما شكل اكتئابكم؟ هذا ما يسأل عنه الطبيب النفسي، عادة، في أول جلسة.
أو قد يسأل لماذا تعتقدون أنكم مصابون/ات بالاكتئاب؟
من أعراض الاكتئاب المرضي الشعور بالحزن والخواء واليأس واضطرابات النوم وفقدان الشهية وفقدان الطاقة.
وقد يتوحش الاكتئاب ليفقدنا الاستمتاع بالأنشطة الطبيعية، مثل الرياضة، وأيضًا الرغبة الجنسية. في الغالب لن نرغب في ممارسة علاقة جنسية في حالة نفسية سيئة.
هذه العلاقة بين الاكتئاب والرغبة جديرة بالبحث، والتأمل، ومن ثم العلاج، فالإرهاق البدني والشعور باليأس والإحباط وفقدان الثقة في النفس، وانخفاض الطاقة، والتقلبات المزاجية، التي تنتج عن الاكتئاب يمكن أن تسبب ضعف الرغبة وصعوبة الوصول إلى النشوة الجنسية، وضعف الانتصاب عند الرجال.
تعني الإثارة الجنسية القدرة على الاستمتاع، وهو ما يفتقده مريض الاكتئاب، لذا فبداية حل مشكلة فقدان الرغبة هي علاج الاكتئاب ذاته.
حالة الحزن العابرة قد لا تحتاج إلى طبيب/ة، ولكن إذا استمر الحزن لفترة طويلة، فالحل الأفضل هو زيارة الطبيب/ة النفسي/ة.
ابحثوا مع طبيبكم عن جذور الاكتئاب، ومسبباته، ذلك لأن الاكتئاب مرض له أسباب معقدة، إذ يمكن أن يسببه خلل كيميائي في المخ، ينعكس على الحالة المزاجية، ويتحكم في الأفكار والسلوك. ويمكن أن يرجع عند النساء لتغير هرمونات الإستروجين والبروجسترون، خلال فترة الدورة الشهرية، أو بعد انقطاع الطمث، وإذا كانت المرأة قد أنجبت لتوها، فمن الممكن أن تتعرض لاكتئاب ما بعد الولادة.
يمكن أن يرجع سبب الاكتئاب إلى تاريخ عائلي، أو إلى صدمة حدثت أثناء الطفولة.
أيضًا قد تسبب أمراض أخرى الاكتئاب، فالأمراض والآلام المزمنة أو مرض باركنسون قد تزيد فرصة التعرض للمرض النفسي.
بالإضافة إلى أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية قد تزيد من خطر الإصابة لديكم.
لا ينبغي أن تترددوا في التصريح لطبيبكم إذا كنتم تعانون من مشكلات جنسية بسبب الاكتئاب، سيبدأ معكم باستبعاد المشكلات العضوية التي قد تسبب المشكلات الجنسية، وبعد التأكد من أن مشكلة الرغبة نابعة من الاكتئاب، سيقدم النصح المناسب لحالتك.
علاج الاكتئاب والحياة الجنسية
بالتأكيد تساعد أدوية الاكتئاب في الشفاء منه أو على الأقل الحد من أعراضه، ولكن لسوء الحظ قد تساهم في زيادة مشكلة الرغبة الجنسية. وتختلف مضادات الاكتئاب في أعراضها الجانبية، ويجب أن تُصرف فقط تحت إشراف الطبيب، كما تختلف الأعراض الجانبية من شخص إلى آخر، وقد تشمل هذه الأعراض جفاف الحلق، والقيء، واكتساب الوزن ومشاكل في الرغبة الجنسية.
نعرف الآن أن بعض أنواع مضادات الاكتئاب قد تضعف الرغبة الجنسية؛ وتحديدًا مثبطات انتقاء السيروتونين (SSRIs)، والتي منها العقار الأشهر "البروزاك"، الذي ألفت عنه وارزيل كتابها.
مثبطات انتقاء السيروتونين من أكثر أنواع مضادات الاكتئاب شيوعًا، وهي تعالج الاكتئاب عن طريق زيادة مستويات السيروتونين في المخ، وهو ناقل عصبي، يساعد أدمغتنا على التواصل، وهو ما يتسبب في استقرار حالتنا النفسية، وهو المسؤول عن إحساسنا بالسعادة، وله دور أيضًا للجهاز الهضمي، وتنظيم النوم.
لكن لا داعي للفزع والإعراض عن كل مضادات الاكتئاب، فالأثر الجانبي لا يصيب كل من يتناول الدواء، كذلك توجد بدائل لهذا الدواء، والكثير من الحلول الأخرى. وجدير بالذكر أن اختيار الدواء المناسب يعتمد على الأعراض، وعلى شدة الحالة. وتختلف الفترة التي يحتاجها المريض للعلاج من شخص لآخر.
بالإضافة إلى ذلك توجد علاجات غير دوائية للاكتئاب، وبالتالي لا تؤثر على الرغبة الجنسية، من ضمن هذه العلاجات العلاج السلوكي المعرفي CBT أو العلاج الكلامي وهي مدرسة علاجية للمرض النفسي حينما يكون الدواء غير مناسب، وتساعدكم لفهم مشاعركم وأفكاركم.
يجري العلاج من خلال جلسات كلامية بينكم وبين الطبيب النفسي يعرف من خلالها جذور المشكلة، ويساعدكم في تغيير الكيفية التي تفكرون بها وتتعاملون بها مع مشاكلكم. والعلاج السلوكي المعرفي يساعدكم على التحكم في حياتكم، والتعامل مع التحديات وضغوط الحياة بشكل صحي، ويمكن اتباع العلاج المعرفي السلوكي لعلاج الاكتئاب، والقلق، والرهاب، والاضطرابات الجنسية.
وعادةً ما تكون الجلسة مرة أسبوعيًا، أو شهريًا حسبما يقرر الطبيب، ومدة العلاج قد تستغرق من خمس جلسات إلى عشرين جلسة تبعًا لنوع الحالة، وشدة الأعراض، ومدى الضغط النفسي الذي تشعرون به، وبداية ظهور الأعراض.
وأحد العلاجات غير الدوائية أيضًا والتي تُستخدم لعلاج الاكتئاب الشديد أو الاكتئاب المقاوم للعلاج، هو العلاج بالصدمات الكهربية والذي يجري تحت تخدير كلي، حيث تُمرَّر تيارات كهربية ضئيلة عبر المخ، وتسبب تغيير كيمياء المخ، ويلجأ الأطباء لهذه الطريقة العلاجية عندما تفشل الطرق الأخرى. لكن للصدمات الكهربية بعض الآثار الجانبية السيئة مثل التسبب في النسيان.
هناك أيضًا العلاج بالرقص والحركة، وهي مدرسة للعلاج النفسي لمن لا تصلح معهم العلاجات الأخرى، وهي تعتمد على الحركة، وتحسين صورة الجسم، للنساء والرجال بالطبع. إذ أن فقدان الثقة في النفس، وفي صورة الجسم، أحد الأسباب التي تسبب مشكلات في العلاقة الجنسية.
وهذه العلاجات سواء العلاج الكلامي أو العلاج بالصدمات الكهربية أو الرقص والحركة تساهم في حل المشكلة الجنسية عن طريق التخلص من الاكتئاب الذي يضعف الرغبة الجنسية، وتفادي استخدام مضادات الاكتئاب التي قد تؤثر هي الأخرى على الأداء الجنسي.
ومن ضمن الحلول المؤثرة إيجابًا إدخال ممارسة الرياضة أو اليوجا في روتين حياتكم اليومية، لنصف ساعة على الأقل، إذ أن الرياضة تحسن حالتكم النفسية والجسدية.
الابتعاد عن الكحول والتبغ أيضًا وتناول الأطعمة الصحية أمور تساهم في تقليل مشكلات الرغبة الجنسية لدى مرضى الاكتئاب.
إذا لم تتحسن الرغبة الجنسية بعد علاج الاكتئاب، فأنتم في حاجة إلى البحث عن الأسباب الأخرى مثل نقص الهرمونات والمرض المزمن أو تعاطي المخدرات والكحول.
مصادر
Depression & Sex: How Depression Can Affect Sexual Health (healthline.com)
Depression and sexual desire: an exploratory study in psychiatric patients - PubMed (nih.gov)
Dance / Movement Therapy (goodtherapy.org)
Selective serotonin reuptake inhibitors (SSRIs) - Mayo Clinic
Depression & Sex: SSRI Side Effects, Depression & ED (clevelandclinic.org)