الاستمتاع الذاتي عند الرجال.. تاريخ مشبع بالخرافة
أتذكر ما قاله لنا أحد الزملاء في المدرسة: "خد بالك، مُدَرِّسة الأحياء قالت لنا إن اللي بيمارس (العادة السرية) حيواناته المنوية هتقل وممكن ما يخلفش، من الآخر هيجيلك عقم".
ألقى زميل المدرسة الثانوية خطبته هذه بوجه هادئ ونبرة واثقة في إطار حديث فضولي بين "شلة" مراهقين، بدأ بـ "منهج الأحياء" وانتهى بأعين خائفة وعقول مُشتتة تحاول طرد ما استمعوا إليه للتو.
ظل أثر حديثه عالقًا في ذهني، رغم مرور 16 عامًا على هذا الموقف، واقتنعت به اقتناعًا تامًا لأنه نُسب إلى مُعلمة مادة "الأحياء" التي تعرف بالتأكيد عن جسم الإنسان أكثر منا.
كما صدقت أن ممارسة الإمتاع الذاتي تتسبب في ضعف الركبتين والإصابة بحبوب الشباب، وأن الأمر قد يتطور للإصابة بالعمى.
مرت سنوات طويلة حتى أدركت أن كل ما عرفته في طفولتي وبداية مراهقتي عن الاستمتاع الذاتي كان مجرد خرافات.
فما حقيقة تلك الخرافات؟ ولماذا يشعر الرجال بالذنب عند ممارسة الإمتاع الذاتي؟ وكيف يكون الإمتاع الذاتي ممارسة صحية، أو يتحول إلى سلوك جنسي قهري؟
قبل أن نتقصى إجابات تلك الأسئلة، أحب أن نُعرِّف الإمتاع الذاتي عند الرجال تعريفًا واضحًا، فهو عملية استثارة تجري عبر لمس الأعضاء الجنسية باليد أو بعض الأدوات للوصول إلى الاستثارة أو النشوة الجنسية.
لكن وفقًا لمنطق العديد من المراهقين فإنه عادة ذات خصوصية غير مكتملة، لا تقتصر متعتها على اللحظات المختلسة بعيدًا عن أعين الآباء للوصول إلى الرعشة الجنسية، إذ كان أحدنا لا تكتمل متعته إلا حينما يقرر خرق خصوصيته طواعية بالحديث عن متعة الليلة الماضية، مزهوًا بذكورته، قبل أن ينطفئ حماسه حين يُذَكِّره آخر بأضرار الإمتاع الذاتي.
كيف بدأت الخرافة؟
يقول صديقي م. ت: "كل معلوماتي عن الجنس كنت واخدها من أصحاب المدرسة وأحيانًا اخواتي الكبار. مفيش مرة مارست فيها العادة السرية وما سمعتش صوت في راسي بيقول: ركبك هتضعف ولما تتجوز مش هتعرف".
يُعَرِّف المعجم الجامع الخرافة بأنها الحديث الذي لا صحة له، وهناك تعريف آخر لنفس المعجم بأنها الحديث المُستملَح المكذوب. أنا أفضل استخدام التعريف الأخير. حين يستملح فلان حديث فلان فإنه يجده حسنًا، ويُقال "استملح حديثه فاستزاد المُتحدِث منه" أي طلب منه أن يستمر ويزيد ما يقول.
فما أصل علاقة إصابة الرجال بانخفاض الحيوانات المنوية والعقم بممارسة الإمتاع الذاتي، وغيرها من الخرافات غير المقتصرة على جيل أو مجتمع بعينه؟
لنقسم أسباب انتشار الخرافة إلى شقين، شق عام يوضح أسباب وكيفية انتشارها في المجتمعات القديمة. وآخر يؤصلها ويلبسها عباءة العلم والفكر، مما يزيد من توغلها في العقول ويمد تأثيرها إلى مجتمعات بعيدة وأزمنة حديثة.
أولًا: التحريم والرغبة في الانتقام هما نقطتا انطلاق تلك الخرافات والشائعات.
يستخدم الإنسان منذ قديم الزمان القصص في التأثير على آراء الآخرين وإقناعهم بأفكاره، فعقولنا تميل إلى تصديق القصص غير المنطقية على حساب الحقائق. لذا لجأت المجتمعات إلى سلطة الخرافة على العقل. فالإمتاع الذاتي فعل جنسي فردي خارج إطار العلاقات المتفق عليها ضمن كود الأخلاق المجتمعي، لذا يجب تحريمه. مع بُعد آخر يتضمن الانتقام من صحتك إن أقبلت على هذا الفعل المنبوذ.
كما تلقى الخرافة في نفوسنا بيئة خصبة للانتشار، بين تلك الدوافع الاجتماعية والثقافية والدينية، فالجنس شيء مستتر ويجب أن يظل بعيدًا عن أعين الصغار، عيب لا ينبغي الكشف عنه صراحة في مجتمعات تعتبره إدانة، وفعل تتعامل معه الموروثات الاجتماعية بنفور وحساسية زائدة.
تلك الدوافع تشكل أهواء المستمعين وتهيئ أذهانهم لتلقي ما يستمعون إليه دون تفنيد منطقي أو علمي. وحين يكون الإنسان في مقتبل مراهقته يحاول اكتشاف جسده والتعرف عليه، بينما تنعدم ثقافته الجنسية، فإن نتيجة تصديق الخرافة تكون مضمونة بشكل كبير.
ثانيًا: تصديق الخرافات حول الإمتاع الذاتي غير مقتصر على صديقي م. ت، بل يرجع تاريخه إلى قرون ماضية.
يشير عالم الأنثروبولوجيا مايكل س. باتون - المهتم بأبحاث الجنس وعلاقتها بالمجتمع والتاريخ- في أحد مقالاته، إلى أن الأطباء والفلاسفة في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، كانوا يعتبرون الإمتاع الذاتي عادة مَرَضية تستوجب العلاج. بل ربط بعض الفلاسفة مثل فولتير وروسو بين الإمتاع الذاتي والإصابة ببعض الأمراض العقلية والجسدية.
استمر المجتمع الغربي في التأثر بآراء الأطباء والفلاسفة في تلك الفترة ومحاربة الإمتاع الذاتي ووصم ممارسيه بـ"ضعاف العقول" الذين يجب أن يخضعوا لعقوبات جسدية أو يتبعوا أنظمة غذائية للتوقف عن إمتاع ذاتهم.
ثم تطورت العقوبات عبر العقود إلى ألاعيب نفسية تمَثلَت في خرافات انتقلت عبر المحيطات وعاشت مئات السنين بيننا، مثل أن الإمتاع الذاتي يسبب العمى، أو أنه يؤثر سلبًا على النمو.
الشعور بالذنب
يقول صديقي أ.ف: "كنت بحس بالذنب بكل مرة بمارس فيها الاستمناء عشان كلام أبويا عن ضررها وإنها عيب، لكن لما كبرت وقريت وفهمت، الشعور ده ابتدا يهدا مع الوقت، هعمل إيه يعني؟"
وفي السياق نفسه يقول م. ت: "بعد ما بخلص ببقى قرفان من نفسي، وجه عليا وقت كنت كل ما بندم أرجع أمارس العادة السرية تاني، عشان بس أنتقم من نفسي. شعور مُركب ومزعج، دايرة دخلتها ومكنتش عارف أطلع منها".
كان م. ت يعاني من عقدة ذنب كبيرة، زادت من انخراطه في ممارسة الإمتاع الذاتي، ولم يكن يعرف طريقًا للخروج أو سببًا يمكن علاجه. على عكس صديقي أ. ف، الذي استطاع أن يجد مخرجًا آمنًا بالبحث والقراءة.
بغياب دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ الثقافة الجنسية الصحيحة بين المراهقين، وبفشل الكثير من الآباء في التواصل مع أبنائهم فيما يخص التوعية الجنسية، بسبب الخجل أو جهل الآباء بضرورة الأمر، تلعب ثقافة الخرافات الشعبية دورًا أصيلًا في تشكيل ثقافتنا الجنسية. إذ كثيرًا ما تنجح الخرافات في وصم من يمارس العادة السرية بالعار!
وكلما زاد تأثُر الرجل بخرافات الإمتاع الذاتي، زادت احتمالية شعوره بالذنب أو اختباره للمشاعر السلبية بعد الممارسة. إذ يتكون الشعور بالذنب في ضميرنا حينما نرتكب أفعالًا نأسف عليها، بينما يُولد ذلك الأسف عندما تخالف أفعالنا أفكارنا وتصوراتنا عن الإمتاع الذاتي.
ورغم أن تلك المشاعر السلبية تثقل كاهلنا، فتجاوزها ليس مستحيلًا. يتطلب الأمر المواجهة أولًا لتُحدد ماهية المشاعر التي تختبرها بعد الإمتاع الذاتي، ثم تسأل نفسك، لماذا أشعر بالذنب أو الخجل؟ هل الأمر يرجع إلى الطفولة؟ أم إلى معلومات خاطئة تلقيتها عبر الأصدقاء أو مصادر غير موثوقة؟
وبعد التعرف إلى مصدر المشاعر، يسهل عليك التعامل معها عبر التأكد من حقيقة كل معلومة مدفونة في عقلك. لكن تتبقى أهم خطوة، وهي أن تخبر نفسك القصة الصحيحة حول الإمتاع الذاتي.
ممارسة صحية (على عكس الشائع)
نحتاج إلى العودة إلى المصادر الطبية كي نبني تصورات صحية عن الإمتاع الذاتي. تقول غلوريا برامي، المعالجة الجنسية والاختصاصية في علم الجنس الإكلينيكي وعضو الكلية الأمريكية لعلماء الجنس: "الإمتاع الذاتي هو جزء من الحياة الجنسية الصحية، إنه آمن تمامًا وغير ضار".
وتنفي الدراسات الطبية الحديثة أية علاقة بين "خرافات القرن الثامن عشر" وممارسة الإمتاع الذاتي. بل تذهب إلى أبعد من ذلك وتُعدد بعض الفوائد الجسدية والنفسية لممارسة الاستمناء بانتظام دون إفراط.
إذ كشفت دراسة أُجريت عام 2004 على مجموعة من الرجال، أن نسبة الإصابة بسرطان البروستاتا تنخفض بنحو 33٪ عند الرجال الذين يقذفون بمعدل 21 مرة شهريًا، مقارنة بالذين يقذفون من أربع إلى ست مرات شهريًا. ومن الناحية النفسية فإن إفراز المخ أثناء الاستمناء لهرمون السيروتونين والأوكسيتوسين يساعد الجسم على الاسترخاء ويزيد الثقة بالنفس ويساهم في الحصول على نوم طيب.
ولكن رغم تلك الفوائد، هناك جانب آخر قد يحمل أضرارًا صحية، فالإمتاع الذاتي يمكن أن يكون عملة ذات وجهين. فما هي ملامح الوجه الآخر؟
الإفراط في الممارسة
يستطرد م. ت: "كنت كلما واجهت مشكلة أو شعرت بالقلق والتوتر ألجأ إلى الاستمناء. قضيت ساعات في غرفتي المظلمة متجاهلًا مكالمات أصدقائي عدة مرات لأحصل على لحظات متتالية من المتعة. أتذكر تلك اللحظات جيدًا، كما أتذكر ما تلتها من لحظات الندم، والانخراط في البكاء أحيانًا".
وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية "APA" لا يوجد تشخيص سريري يسمى "إدمان الاستمناء". لكن قد ينخرط الشخص في سلوك جنسي قهري، يؤدي به إلى الإفراط في الاستمناء. نتيجة لذلك تقع بعض المشاكل الصحية الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية.
يفرز المخ مادة الدوبامين أثناء الاستمناء فيتولد شعور بالسعادة، وحينما يصل الجسم إلى النشوة الجنسية تتولد مادة الإندورفين، التي يفرزها المخ لمواجهة التوتر والإجهاد، فيصل الإنسان إلى الاسترخاء.
تلك عملية حيوية لا ضرر منها، لكن حينما يصبح الإمتاع الذاتي هو وسيلة الرجل الوحيدة لمواجهة التوتر والقلق أو الشعور بالسعادة فإن ذلك يُعد علامة على "سلوك جنسي قهري" يؤدي إلى الإفراط في الاستمناء.
الإفراط له علامات أخرى تتمثل في الاندفاع نحو الاستمناء دون رغبة حقيقية، وعدم القدرة على التوقف أو التحكم في عدد مرات الاستمناء.
ذلك السلوك يزيد من المشاعر السلبية والتقلبات المزاجية خاصة -مع وجود شعور بالذنب أحيانًا- ويؤثر على الحياة الاجتماعية للأشخاص، إذ يقضون وقتًا طويلًا في ممارسة الاستمناء وينعزلون عن الأصدقاء.
قد يُفسد الإمتاع الذاتي المفرط علاقة الرجل بشريكته، إذ قد يؤدي اعتياد الرجل لبلوغ المتعة بمفرده إلى عدم قدرته على الاستمتاع مع شريكته، وعدم الرضا عن العلاقة، أو انخفاض حساسيته الجنسية وتأخر القذف.
لذا نحتاج في جميع الأحوال إلى وضع الأمور في نصابها. الإمتاع الذاتي ليس وصمة عار تستدعي الشعور بالخجل والذنب، هي عادة طبيعية آمنة لاستكشاف الجسد والشعور بالمتعة طالما لم تصل إلى حد الإفراط.