التصورات الاجتماعية المغلوطة حول الجنس الإيلاجي الشرجي
"ما صار سكس سكس، بس صار أشياء"، هكذا تصف صديقة لي أي ممارسات جنسية لا يحدث فيها إيلاج بين شخصين بغض النظر عن جندرهما. يعبِّر هذا التصور عن النظرة تجاه الجنس الإيلاجي كمركز الجنس وأساسه، ويشير وصفها إلى منظومة كاملة من التصورات حول الجنس والإيلاج بما فيه الإيلاج الشرجي.
نسعى في هذا المقال إلى إلقاء الضوء على التصورات الاجتماعية المغلوطة حول الجنس الإيلاجي الشرجي، والذي نقصد فيه فعل الإيلاج من فتحة الشرج. على الرغم من أن فعل الإيلاج قد يكون بأعضاء مختلفة مثل الأصابع أو اللسان أو الألعاب الجنسية، إلا أننا نركز في سياق هذا المقال على إيلاج القضيب تحديدًا.
يمارس الكثير من الأشخاص الإيلاج الشرجي، فيمكن أن تمارسه إناث يمتلكنَ فروجًا ولكنهن يفضلن الإيلاج من فتحة الشرج لأنها ممارسة جنسية ممتعة ومفضَّلة لهن أو لشركائهن، أو لأسباب أخرى مثل الحفاظ على إكليل المهبل الذي يعتبره قطاع كبير في مجتمعاتنا على أنه دليل على "العذرية"، أو يُمارَس الجنس الشرجي بغرض تجنُّب الحمل. وهي ممارسة شائعة بين الذكور. نستخدم "ذكور" هنا على الرغم مما فيها من تبسيط وعدم دقَّة تامَّة، بحيث نقصد بها الأشخاص الذين ولدوا مع قضيب ويتمَّ معاملتهم في المجتمع ومن المنظومة الطبية على أنهم "رجال"، على اختلاف هويَّاتهم الجندرية. قد يكون هؤلاء "الذكور" رجالًا مثليين أو مزدوجي الميول الجنسية (bisexual) أو نساء عابرات (ترانس) يمتلكنَ قضبانًا، أو أي ذكر يمارس الجنس مع ذكر آخر دون أي تعريف أو تأطير.
أركِّز على الجنس الإيلاجي الشرجي بين الذكور، بعد ملاحظة التصورات والأفكار حوله على مدار سنوات، سواء بشكل عام من المجتمع وحلفاء قضايا التعددية الجنسية والجندرية، أو بين أوساط "المثليين" أو الأشخاص الممارسين لهذه الممارسة الجنسية، أو بالأحرى المُتوَقَّع منهم ممارستها.
تنتج هذه التصورات المغلوطة والمرهقة من مصدر أو جذر أساسي واحد ألا وهو التصور الذكوري الجامد حول الجنس، والترسبات المفاهيمية المعيارية والنمطية حول الجنس والجسد والنوع الاجتماعي بشكلٍ عام.
الإيلاج مجرّد ممارسة، وليس "ال" ممارسة
تسود في مجتمعاتنا صورة واضحة وصارمة لماهيَّة الجنس "العادي" و"الطبيعي" و"الكامل" بين الناس: هو جنس بين شخصين، ذكر وأنثى، بحيث يُدخِل الذكر صاحب القضيب قضيبه في فرج الأنثى. سبب ذلك تاريخيًا هو الربط ما بين الجنس والتناسل وحصره في هذه المهمَّة، وبالتالي فإن أي ممارسات جنسيَّة خارجة عن هذا النموذج التناسلي تُرفَض وتُقمَع كونها لا تحقق "هدف الجنس الأسمى" ألا وهو التناسل.
لا يسعنا الاستفاضة في تحليل تاريخي أو أنثروبولوجي حول انتصار هذا النموذج سياسيًا وأخلاقيًا، إلا أنه يمكننا الاتفاق على أن هذه هي الصورة التقليدية والمهيمنة للعملية الجنسية صارت معيار "الجنس الصحيح"، وبالتالي وإن لم تحققها العملية الجنسية تمامًا، فيجب على الأقل أن تقترب منها ليكون الجنس أقرب ما يكون إلى الصورة المثالية المسيطرة.
من هنا، يأخذ الإيلاج في الجنس مركزية عالية، وتغدو أي ممارسات جنسية خارجه ممارسات غير جدية، أو ليست جنسًا حقيقيًا، أو في أحسن الأحوال ليست "جنسًا كاملًا"؛ وهي بالطبع فكرة مغلوطة محكومة بالنظرة المعيارية المهيمنة التي ذكرناها سابقًا.
تسيطر مركزية الإيلاج وتعريف العملية الجنسية به حصرًا على الممارسات الجنسية الخارجة تمامًا عن منظومة التناسل التقليدية أصلًا، والتي كثيرًا ما تصنَّف على أنها "شاذَّة" وغير طبيعية، مثل الجنس بين الذكور؛ بحيث تسود صورة أن الجنس، وإن كان بين شخصين لا يملك أي منهما فرج، يجب أن يكون فيه إيلاج حتى يكون "جنسًا فعلًا"، ويكون في هذه الحالة من خلال فتحة الشرج.
الجنس الإيلاجي من فتحة الشرج قد يكون ممتعًا ومناسبًا للكثيرين، غير أنه من المهم أن نبقي في البال أنه مجرد ممارسة واحدة من بين ممارسات كثيرة ومتنوعة قد نؤديها في العملية الجنسية، ووجوده من عدمه لا يحدد -موضوعيًا- أي حكم أو صفة للجنس الذي نمارسه. الأهم في الجنس هو أن نجرِّب ونتفحَّص خياراتنا بما هو ملائم لنا من عدمه، ولا نبقى حبيسين رؤى تقليدية ومهيمنة تنص علينا ما هو الجنس الذي "يجب أن نمارسه".
الجنس الإيلاجي الشرجي والنوع الاجتماعي
نفس المنطق الذي يستنسخ الممارسة الجنسيَّة المعياريَّة ما بين الذكر والأنثى، الذي تحدَّثنا عنه في الجزء السابق؛ يربط ما بين الأدوار الجنسية التي نؤديها وتعبيراتنا الجندرية. الذكر هو من يُدخِل قضيبه في الأنثى في الجنس المعياري، والمنظومة الذكورية التي نعيش فيها تفرض علينا أنَّ الذكر هو من يجب أن يتحلَى بصفات: الخشونة، الصلابة، السيطرة، القيادة، المبادرة، وغيرها مما يُسمَّى اجتماعيًا بـ "الرجولة". أمَّا الأنوثة فتفرض المنظومة عليها وتتصورها بما هو: ناعم، حساس، رقيق، خاضع، لافاعِل، وغيرها.
يمتد هذا التقسيم ليصل الذكور الذين يمارسون الجنس مع بعضهم البعض، فعلى الرغم من الإمكانية المتبادلة للإيلاج، كون الطرفين (أو الأطراف) في العادة يمتلكان قضيبًا وفتحة شرج، إلا أن التصورات الاجتماعية المغلوطة تربط بين من يجب أن يَلِج الآخر مع التعبيرات الجندرية للأشخاص وفقًا للسمات التي ذكرنا بعضها أعلاه.
وعليه، وإن لا يوجد أي قانون أو سبب موضوعي يحدد من يجب أن يُدخل قضيبه في شرج الآخر، كثيرًا ما يستدخل الذكور الممارسون للجنس النظرة التقليدية التي تنص على أن "الشاب الناعم" أو الأقرب لما هو مؤنث، لا بد من كونه المُستَقبِل للإيلاج، أو بلغة سلبية وذكورية: "المفعول به". تحد هذه النظرة المحدودة من إمكانياتنا على استكشاف أجسادنا وممارساتنا الجنسية المختلفة، وتبقينا عالقين في قوالب اجتماعية نمطية قد تحيل بيننا وبين ما نحب ونختار.
كيف تؤثِّر علينا هذه التصورات؟
من أبرز تمظهرات التصورات الخاطئة التي ذكرناها أعلاه هو التقسيمة الحادة في الأدوار الجنسية ما بين الذكور الممارسين للجنس مع الذكور، والتي تظهر بجلاء في تطبيقات التعارف للمثليين، خاصة تلك التي تتسم بالإفراط في جنسنة الآخرين -بل وتصل إلى تشييئهم- وتهدف إلى الحصول على الجنس السريع، مثل تطبيق "جرايندر". هذه التقسيمة معروفة بـ "الأعلى والأسفل" (Top and Bottom) أو "موجب وسالب". كثيرًا ما يكون السؤال حول الدور الجنسي، أو ببساطة "توب أم بوتوم؟" (الأعلى والأسفل) سؤالًا افتتاحيًا في سياق التعارف بين ذكور لأغراض جنسية.
مما لا شك فيه أن لكلٍّ منَّا تفضيلات جنسية وأدوار نحب أن نمارسها أكثر من الأخرى، فمن الطبيعي والشرعي أن يميل أحدنا إلى الرغبة بممارسة ما أكثر من الأخرى، مثل أن يدخل قضيبه أو يستقبل قضيبًا، إلا أن الكثيرين يتعاملون مع التقسيمة الحادة "توب أم بوتوم" على أنها أمر مفروغ منه وجوهراني في كل شخص، ولذلك يعتقد كثير من الذكور أنه لا مجال لممارسة الجنس مع ذكر آخر يمارس نفس الدور في الجنس الإيلاجي بسبب الفكرة الأولى التي بدأنا بها المقال، ألا وهي أن الإيلاج هو الممارسة الجنسية والوحيدة والأهم.
بالإضافة إلى الحد من إمكانياتنا الجنسية، يرسم لنا هذا التصور عن الجنس الإيلاجي توقعات مرهقة وغير واقعية حول الجنس، بحيث تدفع البعض إلى ممارسته دون رغبة حقيقية بذلك إما لكونه غير ممتع لهم أو لأسباب أخرى كثيرة مثل الخوف من الالتهابات المنقولة جنسيًا أو عدم وجود قدرة للتحضير للجنس الإيلاجي، فهو دون شك من أكثر الممارسات الجنسية التي تحتاج إلى تحضير.
الجنس الإيلاجي ما بين الذكور قد يكون ممارسة ممتعة وجذابة يختارها الكثيرون ويفضلونها، إلا أنه أيضًا قد لا يلائم الجميع وليس هو الشكل الوحيد والأمثل للعملية الجنسية الغنية والمنوَّعة والمليئة بالإمكانيَّات. من المهم أن نتحدى النظرة التقليدية المعيارية السائدة للجنس، وأن نستكشف ممارساتنا وتفضيلاتنا والأدوار التي نحبها بعيدًا عن الأفكار الاجتماعية المغلوطة.