المتعة الجنسية للمرأة: بين الغريزة والعرف الاجتماعي
المنتدى العربي لجنسانية الفرد والأسرة
أيلول 2009
كثيرًا ما أثار موضوع "المتعة الجنسية للمرأة" العديد من التساؤلات حول الطبيعة العلمية لهذه الظاهرة، وذلك بسبب التأثير الثقافي والاجتماعي، والذي يجعل العديد من النساء يعشن في صراع يتمركز بين الرغبة في الرد على احتياجاتهن الجسمية وبين التعامل مع الأعراف الاجتماعية السائدة والتي تُضَيِّق من طرق التعامل مع هذا الموضوع (وحتى الاعتراف بوجوده). هذا على الأقل ما كنت أختبره من خلال تيسيري للعديد من وِرَش العمل المرتبطة بقضايا الجنسانية، والتي ساهمت في إغناء خبرتي في طرح تلك المواضيع العلمية ضمن السياق الاجتماعي والثقافي في مجتمعنا الفلسطيني والعربي.
بناء على ذلك، أود ضمن المساحة المحدودة لهذا المقال بأن أناقش الموضوع ضمن أسس التوجه البنائي والذي ينظر إلى المتعة الجنسية من رؤية شمولية، لا تقتصر فقط على الجوانب العلمية الجسمية، بل وتشمل الجوانب الاجتماعية والعاطفية والروحانية.
ماذا نعني بالمتعة الجنسية؟ لا يمكن تعريف المتعة الجنسية أو "التمتع" الجنسي بمعزل عن الجنسانية، كونها الإطار العام الذي يعكس إلى حد ما، مستوى الراحة الجسدية والنفسية للإنسان عمومًا. وقد عَرَّفَت منظمة الصحة العالمية الجنسانية على أنها تجمع ما بين الجنس، والهوية، والميول الجنسية، والدور الاجتماعي، والإثارة الجنسية، والمتعة، والحميمية، والإنجاب. كما يُعَبَّر عن الجنسانية من خلال الأفكار، والتخيلات، والرغبات، والمعتقدات، والقيم، والممارسات. وتتأثر الجنسانية بالتفاعل بين عوامل بيولوجية، ونفسية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية، وأخلاقية، وقانونية، وتاريخية، وروحانية.
بناء على ذلك، فإن متعة المرأة الجنسية ليست محصورة بمنطقة "الحوض" أي "الأعضاء التناسلية-الجنسية"، بل هي إحساس ناتج عن تفاعلات حسية وفكرية تبدأ أولًا في منطقة الدماغ وتنتقل إلى مناطق مختلفة من الجسد (إذ ليس بالصدفة اعتُبِر "الدماغ" أهم "عضو جنسي"). بمعنى آخر، قد نصل الى المتعة الجنسية من خلال تخيل أنفسنا في مشاهد معينة، مشاهدة صورة أو مشهد مثير في فيلم أو كتاب، أو قراءة بيت شعر غزلي في قصيدة ما، أو حتى اشتمام رائحة معينة، تذوق نكهة، احتكاكنا بملابس، تعرضنا أو استرجاعنا لمداعبة، ملامسة أو ملاطفة وما إلى ذلك.
فعلى سبيل المثال أظهرت دراسة أمريكية أن العديد من النساء اللواتي يعانين من شلل نصفي سفلي، قد شعرن "بلذة جنسية" في أماكن متعددة من الجسم لا تشمل بالضرورة الأعضاء التناسلية والجنسية. وبالمقابل، نسمع من العديد من النساء المتزوجات عن عدم شعورهن بالمتعة الجنسية على الرغم من عملية "الجماع" المرتبطة بشكل مباشر بالعضو الجنسي الأنثوي. بل أبعد من ذلك، هناك من النساء اللواتي يعتقدن بأن الرجل وحده هو القادر على الوصول "للذروة الجنسية" (الأورغازم) بينما يتمركز دور الزوجة بإشباع احتياجاته الجنسية، كاحد أسس "الواجبات الزوجية" المطلوب تنفيذها على أكمل وجه. بمعنى آخر، تصب المرأة جل اهتمامها في كل ما يحتاجه الرجل ليستمتع، وبالمقابل تلغي احتياجاتها إلى الحميمية والتمتع الجنسي.
لو فكرنا في الأسباب وراء هذا التهميش لحاجات المرأة الجنسية لوجدنا بأنها مرتبطة بعاملين أساسيين: 1) المعرفة المحدودة بل والمغلوطة أحيانًا عن متعة المرأة الجنسية، و2) القيود المجتمعية التي تقمع كل من الذكر والأنثى من التواصل والتعلم عن احتياجات كل طرف خلال العلاقة الحميمية بينهما.
بالنسبة للعامل الأول فقد انهمك العلماء ومنذ الستينيات من القرن الماضي بتطوير نماذج ليتمكنوا من خلالها من فهم الاستجابات الجنسية للمرأة، وسأخص بالذكر نموذج "ماسترز وجونسون" والذي يُعتَبَر من أشهر النماذج المُعتَمَدة في العديد من المؤسسات العلاجية والتعليمية.
راقب الطبيب العالم ماسترز مع مساعدته جونسون وقاس التغيرات الجسمية التي تحدث للرجال والنساء خلال عملية الإثارة والتمتع، وصولًا إلى "الذروة" الجنسية.
ينص هذا النموذج على أن مسار الاستجابة الجنسية يمر في أربع مراحل:
1. الاستثارة: يتضخم حجم البظر، يتوسع المهبل، يترطب ويطول ويغمق لونه، يتسع وينفتح الشفران الدقيقان والغليظان، يكبر حجم الثديين وتنتصب الحلمتان، وتتورد الوجنتان لدى بعض النساء، تنقبض العضلات، يرتفع ضغط الدم وتزداد سرعة النبض.
2. الصعود: يزداد طول المهبل ويرتفع الرحم إلى أعلى، يزداد الشفران الغليظان سمكًا، ويغمق لون الشفرين الدقيقين (أحمر غامق)، يكبر حجم الثديين وتنتصب الحلمتان أكثر، تتورد الوجنتان لدى الغالبية وينتشر التورد إلى باقي الجسم، تتشنج العضلات ويزداد انقباضها، يرتفع ضغط الدم وتزداد سرعة النبض والتنفس.
3. الذروة/النشوة : تحدث انقباضات متتالية في المهبل، ازدياد التورد، تشنج لا إرادي للعضلات، تصل سرعة التنفس، النبض وضغط الدم إلى ذروتها.
4. الهبوط: يرتخي البظر وجدار المهبل ويعودان إلى الحجم العادي، يهبط الرحم إلا أن عنق الرحم يبقى متسعًا لمدة 20 إلى 30 دقيقة، يعود كل من الشفرين الغليظين والدقيقين والثديين والحلمتين إلى الحجم الطبيعي، يختفي التورد، ترتخي العضلات بسرعة، تعود سرعة النبض والتنفس وضغط الدم إلى الطبيعي.
من الجدير بالذكر أنه بإمكان المرأة عمومًا أن تصل إلى أكثر من "ذروة" جنسية قبل مرحلة الهبوط، بينما يحتاج الرجل إلى فترة "إعادة تأهيل" تستغرق بضعة دقائق ليتمكن من الاستجابة لمزيد من الاستثارات الجنسية والوصول مرة أخرى إلى الذروة الجنسية.
بالرغم من أن هذه المعلومات بديهية، وتنطلق من غريزة بشرية موجودة منذ الأزل، إلا أن عدم اختبارها فعليًا يعكس سلطة العرف الاجتماعي السائد وقدرته على تشويه مفهومنا لتلك الغرائز البسيطة، لتوضع في خانة "العيب" والممنوعات. وبالتالي يُبَرمَج عقل المرأة على أن "المتعة والاستمتاع" مرتبطان دائمًا بسعادة الشريك وحاجاته. فهي "تتمتع" عندما ترى زوجها مستمتعًا وتشعر بالذنب لمجرد التفكير بالأمور التي تزيد من إثارتها، وإن حدث وتمتعت نرى أن مشاعر الخجل تطغى عليها لأنها ببساطة تعلمت ومنذ الصغر أن ذلك يتناقض مع توقعات المجتمع المحيط بها.
قد يتساءل البعض حول مدى واقعية إحداث تغيير حقيقي في ظل واقع مجتمعنا الحالي، ومن المسؤول عن إحداث هذا التغيير؟
على مستوى الفرد، لا شك بأن نوعية العلاقة مع الشريك ومستوى الانسجام النفسي والعاطفي بينهما هما الأساس للمتعة الجنسية. ولا بد من الإشارة إلى أهمية الحوار والتواصل بين الشريكين لخلق أجواء إيجابية تمكن الطرفين من "التعلم"، كل عن الآخر، بحيث تُخلَق مساحة يستطيع من خلالها كل منهما بتسبيب المتعة واللذة للآخر بنفس القدر الذي يحصلون عليه.
أما على مستوى المجتمع، فلو عدنا إلى موروثنا العربي والإسلامي لوجدنا أنه غني بالأدبيات التي تعزز أهمية التمتع الجنسي للمرأة (لدرجة الحق في طلب الطلاق في حال عدم تمكن الزوج من توفير المتعة لزوجته). ومن هنا أدعو إلى ضرورة إعادة قراءة هذا التاريخ لاستنباط فهم جديد يعزز القيم المجتمعية الإيجابية ويحارب الأعراف المستدخلة والتي تهدف تكريس مبدأ "احتلال العقول" وإلغاء للغرائز التي ولدنا معها.